للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ب) الصفقتان في صفقة:

روى أحمد والبزار والطبراني عن سماك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال: ((نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صفقتين في صفقة)) . قال في مجمع الزوائد: رجال أحمد ثقات. (١)

* وقد فسر راوي الحديث سماك الصفقتين في صفقة بأن يبيع الرجل البيع، فيقول: هو بنساء بكذا وكذا، وهو بنقد بكذا وبكذا. (٢) أي ويفترقان على ذلك، وقد وافق سماك على هذا التفسير أحمد والشافعي وأبو عبيد القاسم بن سلام (٣) ، وقال الشوكاني: إن معنى الصفقتين في صفقة بيعتان في بيعة. (٤)

وأساس ذلك أن الصفقة لغة اسم المرة من الصفق، وهو الضرب باليد على يد أخرى، أو على يد شخص آخر عند البيع، وقد كان عادة العرب إذا وجب البيع ضرب أحد المتبايعين يده على يد صاحبه (٥) ثم استعملت الصفقة بمعنى عقد البيع نفسه (٦) أي إذا كان لازمًا لا خيار فيه.

ومنه قول عمر رضي الله عنه: " إن البيع صفقة أو خيار "، قال النسفي:

" أي بيع تام لازم، أو بيع فيه خيار ". (٧) وقال السرخسي: " الصفقة هي اللازمة النافذة، يقال: هذه صفقة لم يشهدها خاطب، إذا أنفذ أمر دون رأي رجل ". (٨)

* وذكر الإمام ابن القيم أن تفسير الصفقتين في صفقة مطابق للبيعتين في بيعة، وهو أن يبيعه السلعة بمائة إلى سنة على أن يشتريها منه بثمانين حالة، ثم قال: " فإنه قد جمع صفقتي النقد والنسيئة في صفقة واحدة وبيع واحد، هو قصد بيع دراهم عاجلة بدراهم مؤجلة أكثر منها، ولا يستحق إلا رأس ماله، وهو أوكس الصفقتين، فإن أبى ابي الأكثر كان قد أخذ الربا ". (٩) ويؤيد هذا التفسير رواية ابن حبان للحديث موقوفًا " الصفقة في الصفقتين ربا ". (١٠)

* وذهب الكمال بن الهمام إلى أن الصفقتين في صفقة أعم مطلقًا من البيعتين في بيعة، لخصوص في نوع من الصفقات، وهو البيع , وذلك كما لو باع عبدًا على أن يستخدمه البائع شهرًا أو دارًا على أن يسكنها كذلك، لأنه لو كانت الخدمة والسكن يقابلهما شيء من الثمن يكون إجارة في بيع، ولو كان لا يقابلهما يكون إعارة في بيع، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صفقتين في صفقة، فيتناول كلًّا من الاعتبارين المذكورين (١١)

والخلاصة: أن الفقهاء مختلفون في المراد بالصفقتين في صفقة، هل هو نفس البيعتين في بيعة، أم بينهما عموم وخصوص مطلق؟ فذهب أكثرهم إلى أنهما مترادفتان، وذهب الحنفية إلى أنّ الأولى أعم مطلقًا، فتشمل اجتماع السلف مع البيع، والإجارة مع البيع، والإعارة مع البيع، وغير ذلك. وسنأتي على تفصيل ذلك عند كلامنا على حكم اجتماع العقود المتعددة في عقد واحد.


(١) نيل الأوطار: ٥/ ١٥٢؛ مجمع الزوائد: ٤/ ٨٤؛ مسند أحمد: ١/ ١٩٨؛ فتح القدير: ٦/ ٨١
(٢) تهذيب مختصر سنن أبي داود، لابن القيم: ٥/ ١٠٦؛ نيل الأوطار: ٥/ ١٥٢
(٣) فتح القدير: ٦/ ٨١؛ السيل الجرار: ٣/ ٦١
(٤) نيل الأوطار: ٥/ ١٥٣؛السيل الجرار: ٣/ ٦١
(٥) المصباح المنير: ١/ ٤٥٥؛ المغرب: ١/ ٤٧٦
(٦) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح: ٢/ ٣٢٣
(٧) طلبة الطلبة، ص ٦٥، ١٢٨.
(٨) المبسوط: ١٦/ ٢
(٩) تهذيب مختصر سنن أبي داود، لابن القيم: ٥/١٠٦
(١٠) انظر فتح القدير: ٦/ ٨١
(١١) فتح القدير: ٦/ ٨٠، ٨١

<<  <  ج: ص:  >  >>