للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤ - ١ الباعث على ظهور العقود المركبة والعقود المجمَّعة واستحداث العقود الجديدة في النشاط الاقتصادي:

قامت حياة المسلمين الاقتصادية على أنواع من المعاملات التي نظمتها عقود مشهورة في فقه المعاملات، مثل البيع والسلم والشركة والمضاربة ... إلخ، وكانت تلك العقود كافية للوفاء بحاجات الناس وتنظيم المعاملات بينهم وضبط الحقوق والالتزامات المترتبة في النشاط الاقتصادي بصيغها المعروفة، إلا أن هذه الصيغ وتلك الصور لم تعد كافية فاحتاج الناس إلى أنواع جديدة من المعاملات التي تتضمن عقودًا مركبة وصيغًا مطورة، فما الباعث على مثل ذلك؟ وما هي المستجدات في حياة المسلمين التي ولدت مثل تلك الحاجة؟

إن تطور الحياة المعاصرة هو بلا شك أساس تلك الحاجة ومبعثها،

لكن النظر إلى هذه المسألة في إطار العلاقات التعاقدية تحديدًا يكشف لنا عناصر مهمة في الإجابة عن السؤال.

الأول: انفصال وظيفة التمويل عن وظيفة البيع في المعاملات المعاصرة وظهور ما يسمى بالائتمان:

يعد استقلال عملية التمويل من البيع وغيره من عقود المعاوضات وتميزها بعقود خاصة بها ومؤسسات يقتصر عملها عليها يعد بلا ريب أحد سمات الحياة المعاصرة لمجتمعات الإسلام.

لم يعرف المسلمون قديمًا وظيفة تسمى التمويل، بل عرفوا أنواع البياعات التي تحدث حاضرة (مثل المساومة والمرابحة) ومستقبلية (مثل السلم والاستصناع) ، وعقود المعاوضات الأخرى كالإجارة، وعرفوا الشركة المضاربة ... إلخ، وإلا يعني ذلك أن لم تكن للناس حاجة إلى التمويل، لكن المسألة أن وظيفة التمويل لم تكن منفصلة عن تلك المعاملات.

خذ على سبيل المثال عقد السلم، فهو عقد يعجل فيه الثمن ويؤجل فيه قبض المبيع، فهو في ظاهره بيع، إلا أن ذلك لا يخفي حقيقة أن الباعث عليه عند البائع هو الحاجة إلى تمويل نشاطه الزراعي أو التجاري فهو يستعجل قبض الثمن فيشتري به البذور وحاجات الزرع ... إلخ، فيزرع ثم يحصد ثم يسلم ما باع إلى المشتري، وبدون ذلك لم يكن ممكنًا له أن ينهض بالعملية الزراعية التي تنتج القمح والشعير ... إلخ.

وكذا حال المضاربة فهي عقد شركة في الربح، لكنها تنهض ببعض حاجات التمويل أيضًا، فهذا التاجر ذو الخبرة في شؤون الأسواق يحتاج إلى مال لتوسيع عملياته التجارية فيحصل على مدخرات رب المال ويوجهها نحو شراء السلع ثم بيعها ... إلخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>