للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤ - العقود المركبة:

يقصد بالعقود المركبة تلك الاتفاقيات التي تجتمع فيها عناصر

مستمدة من أكثر من عقد من العقود المسماة، مع ترابط في تلك العناصر بطريقة لا يتحقق مقصود الطرفين من الاتفاقية المذكورة إلا بوجودها جميعًا. ولعل أهم اختلاف بين العقود المجمعة والعقود المركبة أن عناصر العقود في العقد المركب لا يمكن فصلها عن بعضها البعض، بل إن أي محاولة لفصل بعضها عن بعض ربما أدى إلى انتفاء المقصود منها، وهي (أي تلك العناصر) ربما حدثت في نفس الوقت، وبطريقة لا يكاد يظهر أي واحد منها هو المقصود بعينه في تلك اللحظة.

مثال ذلك الاعتمادات المستندية لغرض الاستيراد، فإن فيها عنصر الوكالة وعنصر الكفالة (أو الضمان) وعنصر القرض، وليس أي واحد منهما مقصودًا بصفة مستقلة عن الآخر، ولا يكفي لتحقق الغرض توفر واحد منهما فحسب، كما أن العوض المدفوع مرتبط بالاتفاقية بكل عناصرها بحيث لا يعرف ما هو الثمن المقابل لكل عنصر فيها.

ولذلك يمكن القول أن الحكم على العقود المركبة معتمد على العناصر المكونة لها، فإذا جمعت بين عقود معاوضة فحسب، فالنظر إليها مختلف عن الجمع فيها بين عقود المعاوضة وعقود التبرع، فمثلًًا قد ورد النهي عن بيع وسلف؛ لأن الزيادة المشروطة في القرض والزيادة فيه ربا من الربا المحرم، فإذا جمع البيع والزيادة فيه هي ربح مباح مع القرض في عقد واحد لم يعرف ما إذا كانت الزيادة هي في حقيقتها ربح أو ربا؟ فوقع المحظور , أو الجمع بين عقد معاوضة وضمان، فالإجماع على أن الأجر على الضمان لا يجوز، أما الجمع بين البيع والإجارة فهو أقل إشكالًا؛ لأن كليهما عقد معاوضة فلا يكون الجمع بينهما مظنة الذريعة إلى المحظور من جهة الربا، وربما قيل: أن العقود المركبة بهذا التعريف إنما هي عقود مستحدثة ليس لها أصل تقاس عليه وحتى اشتمالها على عناصر من عقود ليس مبرِّرًا كافيًا لربط الحكم عليها بالحكم على تلك العقود لسبب مهم، هو أن الجمع بين العقود كمثل بيع وسلف ليس فيه إنشاء عقد جديد، وإنما هو إدخال عقد في آخر، بيد أن العقود المركبة بالوصف المذكور لا تستغني عناصرها عن بعضها البعض ولا تفي بحاجة المتعاقدين لو حدثت، ومن ثَمّ لزم القول أن العقود المركبة هي معاملات جديدة يُرجع فيها إلى أصل الشريعة في الإباحة فيما سكت عنه الشارع.

<<  <  ج: ص:  >  >>