ثانيًا: فإن الله لما كلف الإنسان بمهمة تعمير الأرض خلقه خلقًا يمكنه من ذلك، فتعمير الأرض لا يتحقق إلا بتوجه كل فرد إلى ما يلائم مواهبه وإمكاناته، ثم ضم ما ينتجه جهده إلى جهود إخوانه وإفادته منها؛ ولذا كان الاختلاف ضروريًّا لعمارة الكون، فلو اتحدت أذواق وعقول وميول البشر لانصبوا على مكان واحد وعلى عمل واحد وعلى إنتاج واحد، الأمر الذي يساوي في الحقيقة التعطل العام المطلق، {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ}[البقرة: ٢٥١]
ثالثًا: إن الاجتماع البشري يقوم على أساس العائلة، واستمرار طفولة الإنسان، واحتياجاته سنوات إلى من يقوم عليه بالتربية للتطور، وليسلم عقله ومشاعره وقواه الجسمية، تجعل قيام راشد واحد بذلك حِملًا ثقيلًا، ولذا فإنه في حالات اليتم العارض يدعو الإسلام بقية أعضاء الأسرة والجماعة الإسلامية لبذل رعاية خاصة للأيتام تعويضًا عما فقدوا وكانت القوامة والحرمة للزوجين الذكر والأنثى، والاستنساخ يهدم القيم الاجتماعية كلها، فيقيم الحياة على المرأة التي هي العنصر الذي لا غنى عنه فيه، ويصبح دور الرجل لا يتعدى إشباع الشهوة، فالمرآة هي التي تفرز البييضة وهي التي تحملها، فإذا تعلقت الرغبة بولادة الأنثى أضحى أي دور للذكر، وإذا تعلقت الرغبة بميلاد ذكر، فإن دوره لا يتعدى أخذ خلية من خلاياه، وقد تكون شعرة من شعره كافية، والله يقول:{وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}[النساء: ١] ، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}[الحجرات: ١٣]
ر ابعًا: إن التقدير المحكم الذي يسير عليه الكون، مما تمت ملاحظته فيه من أسرار، أن التوازن بين الذكران والإناث متقارب دائمًا، فإذا اختل التوازن زمن الحرب بموت الرجال في الحروب عاد التوازن سريعًا بتفوق ولادة الذكور، فلو ارتبط الإنجاب برغبة النساء وهن حسب قانون الاستنساخ صواحبات الحق والدور الفعلي، فإن الاختلال سيلحق المجتمع في تنوع الجنس، قال تعالى: {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (٤٥) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (٤٦) } .