للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليس معنى تحرر العلم من سلطان الكنيسة أنه استبدل كرامة الإنسان وحقوقه بحريته، وإن شئت فقل: إنه فرق عظيم بين حرية البحث الذي يسعد الإنسان، والبحث المدمر للإنسان، إنه ليس السلطان الغيبي الذي لا يعطيه العلمانيون أية قيمة هو الذي يصرخ بالمنع. ولكن إلى جانب ذلك الإنسانية يعلو صوتها مستغيثة من تمرد التجارب اللامسؤولة ودخولها نطاق الإنسان ذاته لتحطم عزته وحقوقه، فليست وصاية على العلم، لكن تبصير العلم بحدوده حتى لا يدمر نفسه ويدمر الإنسان معًا؛ هذا الإنسان الذي تكمن سر إنسانيته في كرامته، وذهاب كرامته معناه ضياعه وضياع مكاسب الإنسانية التي جاهدت وما تزال تجاهد في الحفاظ عليها والتي تعتبر كل المكاسب الحضارية الأخرى متفرعة عنها ومنبثقة منها.

والإسلام يؤكد على صيانة الكرامة الإنسانية.. تناولها القرآن بطرق مختلفة وبأساليب متنوعة تفضي كلها إلى الحقيقة التي لا تقبل الإخلال بها في عرف الحق الذي أنزله الله - أن الإنسان مكرم , وغاية لا وسيلة.

إنه من أول مراحل التكوين البشري، يبرز القرآن كرامة الإنسان وتفضيله بجعله خليفة في الأرض، بتمكينه من المعرفة والوصول إلى الحقيقة، بسجود الملائكة له، وبتمكينه من الاختيار في حياته، إذ كل الكائنات تسير حسبما هو مودع في ذاتها إلى أن تفنى، يستوي في ذلك أصغر كائن كالهباءة وأضخم كائن من الكواكب، كلها تسير وفق قانونها المودع فيها لا تحيد عنه، وكرم الإنسان فأعطي القدرة على الاختيار ثم اعتبر هذا حقًّا له، فالآيات القرآنية تعتبر التسلط على الإنسان التسلط السالب لاختياره تعديًا مرفوضًا وغير مقبول بحال، حتى الحق الذي جاء به القرآن لا يكره الناس عليه {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: ٢٥٦] , {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس: ٩٩] وعبر عن هذه الحقيقة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما خالطت أنوار الهداية الإلهية قلبه وعقله: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟ "

فاتخاذ نسخة موازية للتوأم والاحتفاظ بها لتكون رصيدًا لقطع الغيار لأخيه التوأم إهدار للقيمة الإنسانية التي يتساوى فيها المولود والمجمد يوم أخذت نسخته فأودعت الرحم وأودعت الأخرى التبريد الآزوتي. وصورة أخرى إذا كبر التوأم ولم يحتج إلى أخيه فهل نحكم عليها بالإعدام أو نبقيها إلى أبد الآبدين، مع ما في التجميد من خطر الاختلاط، فقد أعلنت جريدة الفيغارو في سنة ١٩٩٥ أن الخطأ في اللقائح المجمدة يصل إلى ١٠ % في إنكلترا.

أولًا: أن اللقيحة أو البييضة المعوضة نواتها بنواة خلية تامة، كائن إنساني في أول مراحل حياته، له من الكرامة ما يتناسب مع عمره ولا يقبل أن تكون وسيلة لغيرها.

<<  <  ج: ص:  >  >>