نعم إن العلماء لم نسمع منهم إلى حد الآن أنهم قد وصلوا إلى الاستنساخ البشري، ولكن الاستنساخ قد خطا خطوة عملاقة وسريعة. كانت المحاولة الأولى الناجحة أجريت على الضفادع سنة ١٩٧٥، أجراها العالم جون قوردون في أكسفورد، أخذ الخلية من مصير شرغوف هو ولد الضفدع في تطوراته (قبل أن ينقلب ضفدعًا) ، ومن جلد ضفدع بالغ وبما أن نواة خلية الضفدعيات أضخم من نواة خلية الثدييات، فإن التجربة كانت أيسر، ومع هذا فإن الضفادع المستنسخة كانت عقيمة، إذ لم تصل إلى الضفدع البالغ، والنجاح في استنساخ (دولي) ، معناه أنه قد تم التغلب على كثير من المعوقات واقترب العلم جدًّا من التدخل في استنساخ الإنسان.
وما الذي يمنع العلماء في مخابرهم من القيام بهذه التجربة؟ إن الستار الحديدي أطلق تجوزًا على العالم الشيوعي إبان الحرب الباردة، ولكن الستار الحديدي الذي أحكم عزله عن العالم الخارجي هي المخابر، لا يقل حرص الشركات عن حرص الدول على صيانتها من الأسماع والأبصار، وتقوم فرق حماية التجسس في كل دولة على هذه المخابر حتى لا يتأتى اختراقها لأحد، ويكاد الضنّ بها والاحتياط ومحاولات التجسس لا تختلف بين الدول المرتبطة بأوثق الروابط الاقتصادية والدفاعية وبين الدول التي تقوم علاقتها على أخذ الحيطة لكل واحدة من الأخرى.
إن هذه الأسوار العازلة للمخابر وما يجري في عوالمها الداخلية، وسلطان السبق للأسواق والاستئثار بما يدره الجديد من أرباح مما يزيد الأمر خطورة وتعقيدًا.
إنه إذا جاوزنا قصار النظر الذين لا يرون في (دولي) إلا نجاحًا علميًّا، وأن العلم سالك سبيله في البحث والاكتشاف، وأن طبيعة العقل البشري أن تستفيد من الحاصل لتنطلق منه إلى المجهول حتى إذا غدا المجهول معلومًا فتح للعلماء آفاقًا جديدة من البحث عن مجاهيل أخرى وهكذا دواليك، وأن العهد الذي كانت الكنيسة توقف سير العلم قد ولى من بداية عهد التنوير، وأن استنساخ البشر يحل مشاكل كانت مستعصية كالأم التي حرمت الإنجاب لعقم خلقي فيها أو في زوجها، فيصبح في الإمكان أن تنجب وأن تنعم بالولد، والأسرة التي فقدت ولدها يمكن أن تكون نسخة منه محفوظة مجمدة فيحضنها رحم الأم أو رحم مستعار وما هي إلا تسعة أشهر حتى يكون شقيق الميت المساوي له في كل الصفات يملأ حياتها بهجة، وإذا تعرض الولد لمشاكل صحية وتعذر الحصول على عضو لا يرفضه جسم المريض أو خلايا نخاع أو كبد أو غير ذلك، فإنا نجد في النسخة المحفوظة ما يساعد الأطباء على إنقاذ حياة التوأم. وهكذا في سلسلة التطبيقات الداخلة في إطار الخيال العلمي مما يتوقع تحققه ومما هو بعيد عن التحقيق.
إن كل ما سمعته من أقلام المؤيدين أجده لا يصمد أمام المبادئ الآتية:
فالعلم حقًا قد تحرر من وصاية الكنيسة عليه، وأن هذه الحرية هي التي مكنت الحضارة الإنسانية من المكاسب التي دخلت كل ميدان، واستفادت منها حتى الكنيسة ذاتها في تعديل مواقفها ورؤاها. فالنظرة الموضوعية للأشياء والأخذ بمبدأ قبول الحقائق التي يؤمن بها البشر عن تقليد للتعديل حسبما يؤدي إليه سلطان العقل وما تبرزه التجربة، وأن الحقائق الكونية مرجعها التجربة فيما تثبته والعقل فيما يتصوره ويتأكد عنده بالبرهان ثم ينجلي عنه الشك والزيف بالعيان تطبيقًا عمليًّا متكررًا إلى أن يذوب كل أثر للمصادفة أو للظروف الطارئة وغير الثابتة.