وإذا كان المؤتمرون قد رأوا في هذه النتيجة فتحًا حقق في ميدان الواقع ما كان ينظر إليه من قبل كفرض من الفروض بعيدة التناول ونوهوا مكرمين صاحبيه، فإن وقع الخبر لما تردد صداه في أنحاء العالم كان له دوي هائل في أوساط علماء الدين وعلماء الأخلاق والفلاسفة ورجال السياسة والصحافة والإعلام.
وما أن أطلّت (دولي) تغازل البشرية أو تتحداها حتى ملأت الدنيا وشغلت الناس، وحق للإنسان أن يشعر بالخطر الداهم من الزلزال الذي سيدك كل ما بنيت عليه البشرية من قيم وأخلاق وروابط اجتماعية.
إن القرن العشرين الذي ورث حصاد ما زرعه الفكر الإنساني في حقل المعرفة من أول الكون إلى اليوم قد تمرد فيه العلم تمردًا أعماه عن البصر بدوره الذي هو إسعاد البشرية، فعزل الغاية، وقصر همَّه على ذاته فانطلق بدون هدى يهديه ولا قيم تحكمه، يبني ويهدم يعمر ويخرب، ويستعبد الإنسان ثم يرمي به في زاوية العجز ليقضى عليه.
إن قرننا هذا هو قرن الزلازل.
فما إن انتهى النصف الأول حتى فجر العلماء ما خلق ليكون ملتئمًا، فجروا الذرة فكان للفيزياء الدور الرائد، وتسابق رجال السياسة للبذل السخي على تطوير البحوث والتجارب وخزنوا من قوة التدمير ما يكفي لإفناء الأرض وما عليها مرات متوالية.
ويكفي أن يتسرب حتى الشعاع من مفاعل ذري قالوا إنه للسلم والحياة المدنية السهلة، حتى يدمر الحياة من حوله ويأتي على الأخضر واليابس. وما تزال إلى اليوم مشكلة النفايات التي يبقى إشعاعها أكثر من ألفي سنة حملًا مرهقًا عجزت البشرية عن إيجاد حل له يؤمن المحيط من تلوثه المخرب، وإذا استعصت مشكلة النفايات إلى هذا الحد فأعجزت؛ فإنه يبدو أن التخلص من السلاح النووي ما يزال خيالًا بعيد المنال. أدخلوا العلم المنبت المتمرد في هاوية الخراب والتدمير، وأوهموا الإنسانية أنها تقدمت؛ ولكنه تقدم إلى الفناء والعذاب.
وما أن استيقظ العالم مما جرفتنا له العلوم الفيزيائية حتى قامت العلوم البيولوجية تأخذ صدارتها في نهاية القرن، مؤذنة بانهيار كل القيم الإنسانية سواء أتعلقت بكرامة الإنسان أو بالأصول التي يقوم عليها الترابط الاجتماعي أو بالمشاعر والعواطف التي كانت لُحمة النسيج الرابط بين البشر.