للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالعلاقات كلها مبينة وكلها محددة، وكل علاقة منها تجب لها حقوق وتَلَزَمُها واجبات، فأي خلل يصيبها يهدم كل هذا البيان الذي نظمه الشرع وشيده لحكمة بالغة، بنصوص قطعية.

ثانيًا - المرحلة الأولى لتكون الإنسان:

- وهي مرحلة أخرى يلزمنا الإشارة إليها، والتعرض لمنهجها، طبقًا لما ورد في الكتاب والسنة، وهي مرحلة الجنين؛ لأنه موضع بحثنا الرئيسي:

- فقد أشار القرآن الكريم لبداية تكون الإنسان في أكثر من آية، وفي أكثر من حديث، ومن هذا قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (١٣) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (١٤) } [المؤمنون: ١٢-١٤] (١)

فقد عبر القرآن عن مراحل تكون الإنسان بعد خلق آدم عليه السلام من سلالة من طين؛ بأن جعل أول مراحل جنس الإنسان النطفة، وهي في اللغة: الشيء القليل.. والمراد بها هنا {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (٥) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (٦) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (٧) } [الطارق: ٥- ٧] ، أي: من صلب الرجل - وهو المني - وترائب المرأة - وهي البييضة- فإذا التقيا وشاء الله الحمل، أصبحا علقة، وسميت بذلك لأنه لا بد من تعلقها برحم المرأة وانغراسها فيه لتعيش وتنمو، ويتوالى نموها، لتصبح مضغة، فعظامًا: {فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} . [المؤمنون: ١٢- ١٤]

فإشارة القرآن واضحة إلى أن تكون الإنسان إنما يكون من مني الزوج وبييضة زوجته.. قال تعالى: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (٥) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (٦) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} [الطارق: ٥ - ٧] فالماء الدافق هو: المصبوب في الرحم، والمجمع فيه، وهو مني الرجل وبييضة المرأة.

فوائد هذا المنهج على الأفراد والجماعات:

لا نستطيع أن نحصر حكمة الله تعالى في اختيار هذا المنهج لتناسل الإنسان (الزواج) فإنها أجل وأعظم من أن تحصى أو تعد، فهي ناطقة بتكريم الله للإنسان، وتمييزه عما سواه من الكائنات؛ لما أودعه الله تعالى فيه من ميزات، جعلته أهلًا لأن يكون خليفته في الأرض (٢) وأن يتحمل الأمانة.. ولكن يمكننا فقط أن نبرز في هذه العجالة، بعض ما يجلي لنا الأمور في قضية الاستنساخ بأنواعه، ويوضح أمامنا طرفًا من هذه الحكم، فنقول:

أ- ذكرنا آنفًا بعضًا من الفوائد أثناء شرحنا لهذا المنهج الذي نظمه الإسلام، سواء منها ما كان عائدا على الزوجين، أم ما كان عائدًا منها على فلذات أكبادنا.. أم ما كان عائدًا على الأسرة أو على المجتمع في كل الظروف والأحوال؛ في الحياة وبعد الممات، في السراء وفي الضراء - فلا داعي للإعادة.

ب- هذا المنهج يحقق الارتقاء بالنوع الإنساني أو البشري على مر الأزمان وتوالي القرون، واختلاف الأماكن.. هذه الحقيقة تتضح من خلال ما عرضه علينا العلماء والمختصون في هذا الفن فقالوا:

"يتمثل هذا الارتقاء في عملية الانتخاب الطبيعي الذي يحدث أثناء عملية الإخصاب، حيث لا يظفر من بين الملايين من الحيوانات المنوية التي يقذفها الرجل في المرأة الواحدة (من ٢٠٠-٦٠٠ مليون) إلا حيوان منوي واحد غالبًا، هذا الحيوان استطاع أن يقطع الطريق إلى مكان البييضة في الثلث الطرفي من قناة المبيض (قناة فالوب) - وهي حوالي عشرة سنتمترات، وهذا يدل على لياقته البدنية والصحية، فهو أقوى وأصح هذه الحيوانات المنوية، وبذلك يحصل انتخاب وراثي وطبيعي ورباني، يجني ثماره المخلوق الجديد.


(١) وتدبر الآيتين ٥، ٦ من سورة الحج وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ، ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} .
(٢) يراجع بحث د. مختار الظواهري - أستاذ الوراثة الطبية بكلية العلوم جامعة الكويت، نشر صحيفة القبس يوم ٢٥/ ٣/ ١٩٩٧

<<  <  ج: ص:  >  >>