للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حكم استنساخ العضو في الفقه الإسلامي:

تبين لنا مما تقدم أن استنساخ عضو معين فقط دون استنساخ كل الجسم، كالقلب، والكبد، والكلية، واليد، والرجل، والعين، والأذن، والجلد ... وغير ذلك بكل خواصه التي أودعها الله فيه، غير ممكن علميًّا؛ فبعضهم استبعده، وبعضهم جعله أملًا كاذبًا، أو أنه غير ممكن، بل ومستحيل، كما نقلنا عنهم آنفًا، وهم أهل الاختصاص في هذا الفن.

- أما استنساخ الأنسجة فقط، فيمكن - كما حدث في الجلد - ونسخها حينئذٍ يتم معمليًّا، كما ذكرت الدكتورة صديقة العوضي، من أنه إذا زرعت خلية كبد في وسط المعمل فإنها تنتج (كلون) مكونًا من صنف واحد من الخلايا الكبدية، وليس كبدًا بكل أوصافه وأشكاله ووظائفه المختلفة، قس على ذلك جميع الأعضاء.

أقول: إن ما يصل إليه العلم من استنساخ شيء من أنسجة الأعضاء منفصلًا عن استنساخ جسم الإنسان كله , كما هو الحال في الاستنساخ التقليدي معمليًّا - على الوجه الذي أوضحناه - فإنني لا أرى مانعًا شرعيًّا من المضي فيه، وإنتاجه، ولكن بقيود:

أولها: أنه من خلايا الإنسان الذي كرمه الله تعالى وعصم دمه، ومنع المساس به إلا بحق، وجعل كل دمه وبشرته حرام على غيره، وحرم ورود العقد عليه من بيع أو غيره، وعلى أجزائه كذلك. (١) فهي بمنزلته في التكريم والعصمة، وقد سبق أن أوردنا الأحاديث الدالة على ذلك، ومنها: ((كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه)) .

وقوله صلى الله عليه وسلم: ((إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا)) .

وثانيها: أن انتفاع الإنسان بنسيج من أنسجته، لعلاج ما قد أصابه من مرض، أو حادث - كما يحدث في حال تآكل جلد من أصابته النار فاحترق بعض جلده - جائز شرعًا، بل ومطلوب حتى تعود - بإذن الله تعالى - بشرته وجلده على ما كان عليه قدر الإمكان.

وثالثها: أن انتفاع الغير بذلك النسيج مشروط بالحاجة الملحة فقط، وقد تنزل الحاجة منزلة الضرورة، وبخاصة أن توافر استنساخ هذا النسيج من نفسه لنفسه في وقت معين، قد يحتاج إيجاده إلى وقت بعيد، مما قد يؤدي إلى الإضرار به، إلا أنه مع ذلك يجب الاطمئنان إلى عدم نقل هذا النسيج مرضًا من الأمراض المعدية التي قد يكون صاحبه مصابًا بها، وأن يأذن له به.

هذا ما أردنا إبرازه في هذا المجال، والله ولي التوفيق.

{رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} . [البقرة: ٢٨٦] صدق الله العظيم.

أ. د حسن علي الشاذلي


(١) راجع لنا (حكم نقل أعضاء الإنسان في الفقه الإسلامي) نشر الجمهورية في مصر، ومجلة مجمع الفقه الإسلامي بجدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>