للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بل إن التعميم يعني كل تغيير في خلق الله وهذا يعني في تغيير في الطبيعة، فهل نمنع ذلك؟ كلا، فليس المراد هو العموم وإنما المراد - وكما يقول بعض العلماء - عمليات شيطانية خرافية تقوم على أساس من تصورات شيطانية جاهلية يتم بموجبها إهدار للثروات الطبيعية، من قبيل ما جاء في قوله تعالى:

{مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ}

. [المائدة: ١٠٣]

حيث تبتك آذان البحائر وتترك، يقول العلامة الطباطبائي في الميزان: " إن عرب الجاهلية كانت تشق آذان البحائر والسوائب لتحريم لحومها "، كما يؤكد أنه ليس من البعيد أن يكون المراد بتغيير خلق الله الخروج عن حكم الفطرة وترك الدين الحنيف، مستشهدًا بقوله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [الروم: ٣٠] ، ولعل سباق الآيات يساعد على ذلك، وقد أيدته رواية عن الإمام الصادق (ع) كما جاء في مجمع البيان في ذيل تفسير هذه الآية، وحينئذ لا يمكن أن يستند لهذه الآية الشريفة في رد أي تغيير طبيعي، ومنه موردنا هذا، إذ المراد وهو قسم خاص يتم بتسويل الشيطان وتسويغه.

على أنه في الواقع استفادة من قوانين طبيعية فرضها الله في الطبيعة ولا يمكن أن يعد تدخلًا في خلق الله- كما جاء في اتهامات المعارضين - أو يعد تحديًا لله تعالى في خلقه - كما ربما يأتي على ألسنة بعض المخالفين للاستنساخ - وإلا كان علينا أن نسد باب أي إبداع علمي في علم الوراثة في جميع حقول الخلق.

أما حكاية التقاء الأجنبية هنا فهي مرفوضة كبرى وصغرى أما كبرى:

فلا دليل على حرمة التقاء المياه الأجنبية، وإنما الأدلة كلها تنظر إلى عملية الزنا، إلا ما يتوهم استفادته من روايات تتحدث عن حرمة وضع المني في الرحم المحرم من قبيل ما جاء في الكافي بإسناد معتبر إلى علي بن سالم عن أبي عبد الله الصادق (ع) ، قال: إن أشد الناس عذابًا يوم القيامة رجل أقر نطفته في رحم يحرم عليه. (١) ورواه الصدوق في عقاب الأعمال (٢) وعن البرقي في المحاسن مثله.

وما جاء عن الصدوق في (من لا يحضره الفقيه) قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لن يعمل ابن آدم عملًا أعظم عند الله تبارك وتعالى من رجل قتل نبيًا أو إمامًا، أو هدم الكعبة التي جعلها الله عز وجل قبلة لعباده، أو أفرغ ماءه في امرأة حرامًا)) .

إلا أن أمثال هذه الروايات بالإضافة لضعف سندها ناظرة بلا ريب إلى عمليات الزنا خصوصًا إذا لاحظنا العذاب الشديد المذكور فيها فلا يحتمل أن العذاب إنما هو لمجرد إيصال ماء الرجل إلى رحم يحرم عليه.

وشموله لموردنا من حيث الصغرى أيضًا غير صحيح، فليس هنا التقاء ولا انعقاد - كما هو واضح - إلا أن يقال: إن المورد هو بحكم انعقاد النطفة فيقاس عليه، وهنا يقتصر على المورد الذي يحل فيه هذا الانعقاد. أما موضوع الاستغناء عن الزواج فإذا افترضنا أن الأمر فيه تيسر إلى هذا الحد - وهو بعيد - فإن دواعي الزواج لا تقتصر على الاستيلاد أولًا، على أن الاستيلاد من طريق الزواج هو المطلوب للإنسان قبل كل شيء، ولا يُلجأ لمثل هذه الطرق إلا استثناء.


(١) الكافي باب الزاني، من كتاب النكاح: ٥/ ٥٤١؛ الوسائل باب ٤: ١٤/ ٢٣٩
(٢) ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، ص ٣١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>