للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣ - بيع الدين من غير المديون:

الصورة الثالثة من بيع الدين: أن يبيع الدائن دينه من طرف ثالث غير المديون. وإن هذه الصورة وقع فيها اختلاف بين الفقهاء، فذهب الحنفية والحنابلة والظاهرية إلى أن بيع الدين من غير من عليه الدين لا يجوز. قال الإمام محمد بن الحسن الشيباني رحمه الله تعالى:

" لا ينبغي للرجل إذا كان له دين أن يبيعه حتى يستوفيه، لأنه غرر، فلا يدري أيخرج أم لا يخرج" (١) .

وقال الكاساني رحمه الله تعالى:

" ولا ينعقد بيع الدين من غير من عليه الدين، لأن الدين إما أن يكون عبارة عن مال حكمي في الذمة، وإما أن يكون عبارة عن فعل تمليك المال وتسليمه، وكل ذلك غير مقدور التسليم في حق البائع، ولو شرط التسليم على المديون لا يصح أيضًا، لأنه شرط التسليم على غير البائع، فيكون شرطًا فاسدًا، فيفسد البيع " (٢) .

وقال القاضي أبو يعلى الحنبلي رحمه الله تعالى:

" واختلف في بيع الدين ممن هو عليه، فنقل أبو طالب المنع: ونقل مهنا جواز ذلك، ولا تختلف الرواية أنه لا يجوز بيعه من غير من هو في ذمته. وجه الأولى: أنه بيع دين قبل قبضه فلم يصح كما لو باعه من غير من هو عليه. ووجه الثانية أنه إذا باعه ممن هو عليه فقد حصل القبض فيه، فيجب أن يصح، ويفارق هذا إذا باعه من غيره أنه لا يصح، لأنه قد لا يتمكن من استيفائه ممن هو عليه فيتعذر تسليم المبيع، فلهذا لم يصح" (٣) .

وقال المرداوي رحمه الله تعالى:

" لا يجوز بيع الدين المستقر لغير من هو في ذمته، وهو الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب، وعنه: يصح. قاله الشيخ تقي الدين رحمه الله. . . وقد شمل كلام المصنف مسألة بيع الصكاك، وهو الورق ونحوه. . . فإن كان الدين نقدًا، أو بيع بنقد لم يجز بلا خلاف، لأنه صرف بنسيئة. وإن بيع بعرض وقبضه في المجلس ففيه روايتان: عدم الجواز. قال الإمام أحمد: وهو غرر، والجواز: نص عليها في رواية حرب وحنبل ومحمد بن الحكم " (٤) .

وقال ابن حزم، رحمه الله، من الظاهرية:

" ولا يحل بيع دين يكون لإنسان على غيره، لا بنقد ولا بدين، ولا بعين ولا بعرض، كان ببينة أو مقرًّا به أو لم يكن، كل ذلك باطل. . . برهان ذلك أنه بيع مجهول وما لا يدرى عينه. وهذا هو أكل مال بالباطل، وهو قول الشافعي. وروينا من طريق وكيع، نا زكريا بن أبي زائدة قال: سئل الشعبي عمن اشترى صكًا فيه ثلاثة دنانير بثوب؟ قال: لا يصلح. قال وكيع: وحدثنا سفيان، عن عبد الله بن أبي السفر، عن الشعبي، قال: هو غرر" (٥) .


(١) الموطأ، للإمام محمد، رحمه الله، باب الرجل يكون له العطايا أوالدين على الرجل فيبيعه، ص٣٥٤.
(٢) بدائع الصنائع: ٥ / ١٤٨.
(٣) كتاب الروايتين والوجهين لأبي يعلى: ١ / ٣٥٧.
(٤) الإنصاف للمرداوي: ٥ / ١١٢؛ وراجع أيضًا الفروع لابن مفلح: ٤ / ١٨٥.
(٥) المحلى، لابن حزم: ٩ /٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>