للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم إن الذين منعوا بيع الدين من غير المدين، إنما منعوه عن طريق البيع. أما إذا وقع نقل الدين بطريق الحوالة، فإنه جائز عند الجميع، والفرق بين البيع والحوالة ظاهر جدًا على مذهب الحنفية، فإنهم قائلون بأنه إذا توى الحوالة بإفلاس المحال عليه أو جحوده عند عدم البينة فإن للمحتال (الدائن الأصلي) أن يرجع على المحيل (وهو المديون الأصلي) (١) . أما إذا باع المديون دينه، فكأنه أحل مشتري الدين محله في جميع حقوقه ومخاطره، فإذا أفلس المديون الأصلي أو جحد الدين لا يستطيع أن يرجع على بائع الدين. ومن هنا يتحقق الغرر الذي منعوا بيع الدين من أجله. ولا يتحقق هذا الغرر في الحوالة، لأن للدائن أن يرجع على المحيل عند إفلاس المحال عليه أو جحوده.

أما الحنابلة، فلا يرجع عندهم المحتال على المحيل أبدًا، وإن أفلس المحتال عليه أو جحد، ولكن إن شرط المحتال ملاءة المحتال عليه، وقبل الحوالة على ذلك الأساس، ثم تبين أنه معسر، فإنه يحق له أن يرجع على المحيل (٢) ومن هذه الجهة: الفرق عندهم بين بيع الدين، حيث لا يجوز، وبين الحوالة، حيث تجوز، من ناحيتين:

الأولى: أن في بيع الدين ينتقل الدين إلى المشتري بمجرد العقد، وبما أن حصول الدين غير متيقن، فالغرر لازم فيه بمجرد العقد، فلا يجوز. أما إذا باع رجل شيئًا بثمن لم يقبضه، وأراد المشتري أن يحيل البائع على مديون له، فإن ذلك لا يمكن إلا برضا البائع بعد العقد. ولا يجوز أن يشترط المشتري الحوالة في البيع، فلا سبيل إلى انتقال الدين إلى البائع تلقائيًا بمجرد العقد، ولذلك يجوز للبائع أن يطالبه بثمن ما باعه وأن لا يرضى بالحوالة، فالبيع لا غرر فيه، ومن ثم جاز العقد، وانعقدت الحوالة بعقد مستقل برضا البائع.

الثانية: أنه إذا قبل المحتال الحوالة على شرط ملاءمة المحتال عليه، ثم تبين أن المحال عليه معسر، فإنه يجوز للمحتال أن يرجع على المحيل. ولا يتيسر ذلك في بيع الدين.


(١) راجع الهداية مع فتح القدير: ٦ / ٣٥٢.
(٢) المغني، لابن قدامة: ٥ / ٥٩، دار الفكر.

<<  <  ج: ص:  >  >>