وهناك سندات أخر تصدر من قبل الحكومة، وتعرض عادة على البنوك والمؤسسات المالية الأخرى، وتسمى سندات الخزينة. ومقصود هذه السندات نفس المقصد الذي من أجله تصدر السندات الحكومية الأخرى. غير أن هذه السندات تعرض على البنوك لتشتريها على أساس المزايدة، فالسند الذي قيمته ألف روبية مثلاً يتضمن التزام الحكومة بأداء ألف روبية إلى حامله عند حلول أجله، فتجرى في شرائه المزايدة فيما بين البنوك، وتأتي العروض من قبلها إلى البنك المركزي، فتباع هذه السندات إلى من عرضه أكثر. ومعنى بيع هذه السندات أن مشتريها أقرض مبلغ الثمن إلى الحكومة واستحق من خلال هذا الإقراض أن يحصل على قيمة السند الاسمية عند حلول أجله.
إنَّ هذه السندات كلها ربوية من أصلها، حيث إن المقرض يلتزم فيها بأداء مبلغ القرض وزيادة، فلا يخفى حرمة تداولها لأنها تؤدي إلى تعامل ربوي حرام. ولكن لو فرضنا أن هذه السندات أصدرت من قبل الحكومة. على أساس القرض الشرعي بدون فائدة، فهل يجوز بيعها؟ يتأتى فيه الخلاف المذكور في بيع الدين، فلا يجوز بيعها عند الحنفية والحنابلة والظاهرية مطلقًا، وكذلك لا يجوز في الظاهر عند الشافعية، إما لأن الكثيرين منهم مع الحنفية والحنابلة في منع بيع الدين من غير المدين، وإما لأنهم اشترطوا لجوازه أن يقبض الدين في المجلس كما أسلفنا، وحصول هذا الشرط متعذر في السندات، فلا يجوز عندهم.
نعم يجوز ذلك عند من لا يشترط لجواز بيع الدين أن يقبض الدين في المجلس، فإن اشتريت هذه السندات بعين من الأعيان، مثل الثوب، أو الحبوب الغذائية، أو الأشياء الأخرى غير النقود فهذا البيع جائز على هذا القول مطلقًا. أما إذا اشتريت بالنقود، فلم أجد من الفقهاء الشافعية تصريحًا في هذا الباب، ولكن قياس قولهم في الصرف أن لا يجوز، لأن بيع النقود بالنقود صرف، ويشترط فيه التقابض في المجلس، ولو أجزنا بيع السندات بثمن حال، فكأننا أجزنا بيع النقود بالنقود نسيئة. فيشترط لجوازه أن يقبض الدين في المجلس، وهو متعذر في السندات: فلا يجوز.
أما المالكية، فيجوز عندهم بيع الدين لغير المدين بالشروط التي ذكرناها في تحقيق مذهبهم، ومن جملة هذه الشروط أنه إذا بيع الدين بجنسه فإنه يشترط فيه التساوي (١) فإن كان السند قيمته مائة، فلا يباع إلا بمائة لا يزاد ولا ينقص، ومن الظاهر أن هذا الشرط لا يحصل به غرض السوق الثانوية التي تباع فيها السندات، فالحاصل أن التعامل الذي يجري في سوق الأوراق المالية من بيع السندات وشرائها محرم شرعًا. وسوف نتكلم على بدائلها الشرعية في آخر البحث إن شاء الله تعالى.
(١) قال الدسوقي في سياق شروط جواز الدين لغير المدين: " وبيع (أي الدين) بغير جنسه، أو بجنسه وكان مساويًا، لا أنقص، وإلا كان سلفًا بزيادة، ولا أزيد، وإلا كان فيه حط الضمان وأزيدك"، راجع حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير: ٣ / ٦٣.