للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما المالكية، فقد تقدم أنهم يجوزون بيع الدين من غير المدين بشروط سبقت، ولذلك قياس قولهم جواز بيع الجامكية، وقد صرح بذلك الحطاب رحمه الله تعالى حيث قال:

"بخلاف الجامكية، فإن الملك محصل فيها لمن حصل له شرط الواقف، فلا جرم صح أخذ العوض بها وعنها " (١) .

ولكن لا يخفى أن جواز هذا البيع مشروط بأن يكون بيعه بخلاف جنسه، وإن كان بجنسه، فلا بد من التساوي، كما سبق التصريح بذلك في عبارة الدسوقي.

وعليه يخرج حكم بيع الكمبيالة في مذهب المالكية، حيث يجوز بشرط أن يكون الثمن إما غير النقود أو مساويًّا لقيمة الكمبيالة.

أما الشافعية، فقد ذكر بعض المتأخرين منهم أنه يجوز لمستحق الجامكية أن ينزل عنها في حق غيره ويطالبه بالعوض عن ذلك. قال الشبراملسي بعد ما ذكر جواز النزول عن الوظائف.

" ومن ذلك الجوامك المقرر فيها، فيجوز لمن له شيء من ذلك وهو مستحق له بأن لا يكون له ما يقوم بكفايته من غير جهة بيت المال النزول عنه، ويصير الحال في تقرير من أسقط حقه له موكولاً إلى نظر من له ولاية التقرير فيه كالباشا، فيقرر من رأى المصلحة في تقريره من المفروغ له أو غيره " (٢) .

ولكن ليس مقصود الشبراملسي إجازة بيع الكمبيالة، أو النزول عن راتب شهر معين. وإنما مقصوده أنه لو كان لرجل عطاء في بيت المال يحصل عليه كل شهر، جاز له أن ينزل عنه في حق غيره للأبد، ويأخذ عوضًا عن ذلك، ولكن المنزول له لا يستحق العطاء بمجرد نزول الأول، بل مفاد نزوله أنه تزول مزاحمته له في ذلك العطاء، ثم يصير الأمر موكولاً إلى من له ولاية التقرير، فإن رأى المصلحة جعل المنزول له في محل النازل، فيستحق هو العطاء، وإن شاء عين غيره. وهذا هو حكم النزول عن الوظائف عند الشافعية. وعلى هذا، فما ذكره الشبراملسي خارج عن مسألتنا لأنه ليس بيعا لورقة الدين، ولا نزولاً عنها في حق من يحل محله في حق المطالبة.


(١) مواهب الجليل للحطاب: ٤ / ٢٢٤، طبع ١٣٩٨ هـ، في سياق تعريف البيع.
(٢) حاشية الشبراملسي على نهاية المحتاج: ٥ / ٤٧٨، آخر مبحث الجعالة.

<<  <  ج: ص:  >  >>