للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النوع الثاني – التصرف في المسلم فيه قبل القبض:

هذه المسألة تحتاج إلى تفصيل لأنها تحتمل عدة احتمالات:

الاحتمال الأول: التصرف فيه عن طريق الاعتياض عنه ممن عليه السلم.

الاحتمال الثاني: بيع المسلم فيه لشخص آخر.

الاحتمال الثالث: التصرف في المسلم فيه بالمشاركة، والحوالة، والتولية، ونحو ذلك.

الاحتمال الرابع: أن ينفسخ عقد السلم بالإقالة أو نحوها، فهل يجوز أن يصرف الثمن في عوض آخر غير المسلم فيه؟

ومجمع الفقه الإسلامي تحدث في قراره في دورته السابعة عن حالة واحدة وهي: "عدم جواز بيع السلعة المشتراة قبل قبضها"؛ لذلك أرى إعادة الموضوع بكامله وطرحه على بساط البحث والمناقشة للوصول إلى رؤية شاملة واضحة.

وهأنذا أعرض هذا الموضوع بجميع جوانبه واحتمالاته وما ثار فيه من خلاف، وما نراه راجحًا على ضوء ما يأتي:

الاحتمال الأول: الاعتياض عن المسلم فيه من المسلم نفسه عند حلول الأجل:

وقد فصل شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم (رحمهما الله) في هذه المسألة؛ ننقل منهما بعض النصوص (١) :

جاء في مجموع الفتاوى: "سئل – رحمه الله – عن رجل أسلف خمسين درهمًا في رطل من حرير إلى أجل معلوم، ثم جاء الأجل فتعذر الحرير، فهل يجوز أن يأخذ قيمة الحرير؟ أو يأخذ عوضه أي شيء كان؟

فأجاب: " هذه المسألة فيها روايتان عن الإمام أحمد: إحداهما: لا يجوز الاعتياض عن دين السلم بغيره كقول الشافي.

والقول الثاني: يجوز ذلك، كما يجوز في غير دين السلم وفي المبيع من الأعيان وهو مذهب مالك، وقد نص على هذا في غير موضع، وجعل دين السلم كغيره من المبيعات، فإذا أخذ عوضًا غير مكيل، ولا موزون يقدر دين السلم حين الاعتياض لا بزيادة على ذلك، أو أخذ نوعه يقدره مثل أن يسلم في حنطة فيأخذ شعيرًا بقدر الحنطة، فإنه يجوز، وقد ذكر ذلك طائفة من الأصحاب، لكن في بعض الصور. .. روايتان ".

ثم قال: " وأما المطلعون على نصوص أحمد فذكروا ما هو أعم من ذلك، وأنه يجوز الاعتياض عن دين السلم بغير المكيل والموزون مطلقًا. . . وكذلك إن أخذ قيمته مما لا يكال، ولا يوزن كيف شاء. . . ".

ثم ذكر أن بعض الروايات قيدت بأن لا يأخذ مكان المسلم فيه إلا بقيمته أو أنقص منها، وهذا هو قول ابن عباس (رضي الله عنهما) (٢) . وجاء في المجموع أن السلم إذا فسخ لانقطاع المسلم فيه كان لصاحب رأس المال بيعه قبل استرداده (٣) .

وقد استدل المانعون بعدة أدلة أهمها ما يأتي:

١- ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من أسلف في شيء فلا يصرفه إلى غيره)) (٤) .


(١) مجموع الفتاوى: ٢٩ / ٥٠٣ – ٥١٩؛ وشرح سنن أبي داود لابن القيم، بهامش عون المعبود: ٩ / ٣٥٣. . .
(٢) مجموع الفتاوى: ١٩ / ٥٠٣ – ٥١٨.
(٣) المجموع للنووي: ٩ / ٢٦٦.
(٤) الحديث رواه أبو داود: الحديث رقم ٣٤٥١؛ عون المعبود: ٩ / ٣٥٣؛ وابن ماجه: ٢ / ٧٦٦: الحديث رقم: ٢٢٨٣؛ والبيهقي: ٦ / ٢٥؛ والدارقطني: ٣٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>