للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثالثًا: أن الحديث رواه الدارقطني بلفظ آخر ليس فيه ما يدل عليه اللفظ السابق، وهو " من أسلف في شيء فلا يأخذ إلا ما أسلم فيه، أو رأس ماله " (١) ، فهذا اللفظ ليس فيه النهي عن صرفه إلى غيره، لكن الحديث ضعيف جدًا، ومضطرب ومعلول كما قال الحافظ ابن حجر وغيره (٢) ، فلا ينهض حجة.

٢- وأما البيع قبل القبض – كقاعدة عامة – ستأتي مناقشته فيما بعد عند كلامنا عن بيع المسلم فيه لغير المسلم.

٣- وأما الإجماع الذي ادعاه صاحب المغني ابن قدامة، فقد رد عليه شيخ الإسلام ابن تيمية فقال: " وأما ما ذكره الشيخ أبو محمد في (مغنيه) ، قال: "بيع المسلم فيه قبل قبضه لا نعلم في تحريمه خلافًا" فقال: رحمه الله، بحسب ما علمه، وإلا فمذهب مالك أنه يجوز بيعه من غير المستسلف، كما يجوز عنده بيع سائل الديون من غير من هو عليه، وهذا أيضًا إحدى الروايتين عن أحمد نص عليه في مواضع بيع الدين من غير من هو عليه، كما نص على بيع دين السلم ممن هو عليه، وكلاهما منصوص عن أحمد في أجوبة كثيرة من أجوبته، وإن كان ذلك ليس في كتب كثير من متأخري أصحابه، وهذا القول أصح، وهو قياس أصول أحمد " (٣) .

وإذا كان هذا هو القول الأصح للإمام أحمد، فلنذكر رأي المالكية في هذه المسألة: جاء في المدونة: " قلت: فإن كنت أسلفت في شعير، فلما حل الأجل أخذت سمراء، أو محمولة؟ قال: لا بأس بذلك وهو قول مالك، قلت: ولا ترى هذا بيع الطعام قبل أن يستوفى؟ قال: لا إذا حل الأجل فأخذت بعض هذا من بعض مثل الذي ذكرت لي، أخذت مثل كيله، فإنما هذا بدل، وليس هذا بيع الطعام قبل أن يستوفى " (٤) .

ثم ذكر أن هذا " إنما يجوز بعد محل الأجل، أن يبيعه من صاحبه الذي عليه السلف، ولا يجوز أن يبيعه من غير صاحبه الذي عليه السلم. . . حتى يقبضه من الذي عليه السلف، لأنه إن باعه من غير الذي عليه ذلك بمثل كيله وصفته صار حوالة، والحوالة عند مالك بيع من البيوع فلذلك لا يجوز أن يحتال بمثل ذلك الطعام الذي سلف فيه على غير الذي عليه السلف، لأنه يصير دينًا بدين وبيع الطعام قبل أن يستوفى " (٥) .

هذا في السلم في الطعام حيث يجوز الاعتياض عنه إلا ممن عليه السلم، ويكون بعد حلول الأجل، أما قبل حلول الأجل فتجوز الإقالة، وحينئذ يكون له الحق أن يأخذ رأس ماله، أو الطعام الذي أسلم فيه (٦) .


(١) الدارقطني: ٣٠٨.
(٢) تلخيص الحبير: ٣ / ٢٥.
(٣) مجموع الفتاوى: ٢٩ / ٥٠٦؛ وقد سرد ابن القيم في شرح سنن أبي داود – بهامش عون المعبود: ٩ / ٣٥٣ – مجموعة من أجوبة أحمد وأصحابه منها أن القاضي قال: نقلت من خط أبي حفص في مجموعه: " فإن كان ما أسلم فيه مما يكال أو يوزن فأخذ من غير نوعه مثل كيله مما هو دونه في الجودة جاز، وكذلك إن أخذ بثمنه مما لا يكال، ولا يوزن كيف شاء ". . . ومنها ما قال حرب: سألت أحمد: فقلت: رجل أسلم إلى رجل دراهم في بر، فلما حل الأجل لم يكن عنده بر، فقال قوم: الشعير بالدراهم فخذ من الشعير. . مثل كيل البر، أو أنقص ".
(٤) المدونة: ٤ / ٣٤.
(٥) المدونة: ٤ / ٣٤ – ٣٥.
(٦) المدونة: ٤ / ٥٩، ٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>