للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بينما ربط أبو حنيفة والشافعي جواز التصرف بالضمان فإذا لم ينتقل الضمان إلى المشتري لا يجوز له التصرف فيه حتى لا يتوالى الضمانان.

لكن شيخ الإسلام رد على هذا الأصل بأنه مأخذ ضعيف، وأنه لا محذور في وجود ضمانين، لأن الواجب بضمان هذا غير الواجب بضمان ذاك (١) ، فلو تلف المبيع قبل التمكن من القبض فإن المشتري الثاني يعود إلى المشتري الأول وهو على البائع، وكل يرجع على الآخر بما دفعه.

ويدل على أن ضمان البائع لا يمنع من تصرف المشتري في المبيع حديث ابن عمر الثابت السابق في البيع بالذهب والأداء بالفضة، أو بالعكس، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فقد جوز النبي صلى الله عليه وسلم أن يعتاضوا عن الدين الذي هو الثمن بغيره، مع أن الثمن مضمون على المشتري لم ينتقل إلى ضمان البائع، فكذلك المبيع الذي هو دين السلم يجوز بيعه وإن كان مضمونًا على البائع لم ينتقل إلى ضمان المشتري، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما جوز الاعتياض عنه بسعر يومه لئلا يربح فيما لم يضمن، وهكذا قد نص أحمد على ذلك في بدل القرض وغيره من الديون، إنما يعتاض عنه بسعر يومه " (٢) .

ومن ناحية أخرى أن ما في ذمة المدين البائع مقبوض للدائن فحينما يبيعه للآخر فكأنه سلمه إليه، وحل محله. يقول ابن تيمية: "إن ما في الذمة مقبوض للمدين " (٣) ، كما أن الموجود في الذمة فكأنه موجود في الواقع والخارج.

الاحتمال الثالث: التصرف في المسلم فيه بالتولية، والشركة، والحطيطة، والمصالحة، والحوالة، والوكالة ونحوها:

فعقد الوكالة والسمسرة في السلم جائز، لأن القاعدة فيها هي أن كل من صح تصرفه في شيء بنفسه وكان مما تدخله النيابة صح أن يوكل فيه رجلاً أو امرأة، مسلمًا كان أو كافرًا، وكل ما يصح أن يستوفيه بنفسه وتدخله النيابة صح أن يتوكل لغيره فيه " (٤) .

وأما التولية، والشركة في المسلم فيه قبل قبضه فمحل خلاف بين الفقهاء:

فذهب مالك إلى جوازهما سواء كان المسلم فيه طعامًا، أم غيره، جاء في المدونة: "قلت: أرأيت إن اشتريت سلعة من السع فأشركت فيها رجلاً قبل أن أنقده، أو بعد ما نقدته أيصلح ذلك في قول مالك أم لا؟

قال: لا بأس بذلك عند مالك.

قال: ولقد سألت مالكًا عن رجل اشترى من رجل طعامًا بثمن إلى أجل فأتاه رجل، فقال: أشركني في هذا الطعام، وذلك قبل أن يكتال طعامه الذي اشترى.

قال مالك: لا بأس بذلك إن أشركه على أن لا ينتقد إلا إلى الأجل الذي اشترى إليه الطعام، فإن انتقد فلا خير في ذلك (٥) .


(١) مجموع الفتاوى: ٢٩ / ٥ – ٦ – ٥٠٩.
(٢) مجموع الفتاوى: ٢٩ / ٥١٠.
(٣) مجموع الفتاوى: ٢٩ / ٥١٢.
(٤) يراجع المغني لابن قدامة: ٥ / ٨٨؛ وحاشية ابن عابدين: ٤ / ٣٩٩؛ وروضة الطالبين: ٤ / ٢٩١؛ وبداية المجتهد: ٢ / ٣٠١؛ والمدونة: ٤ / ٤٩.
(٥) المغني لابن قدامة: ٥ / ٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>