للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك الأمر في التولية، جاء في المدونة: " قلت: أرأيت إن اشتريت سلعة من رجل بنقد، فلم أقبضها حتى أشركت فيها رجلاً، أو وليتها رجلاً أيجوز ذلك؟ "

قال: لا بأس بذلك عند مالك.

قلت: وإن كان طعامًا اشتريته كيلاً، وفقدت الثمن فوليته رجلاً أو أشركته فيه قبل أن أكتاله من الذي اشتريته.

قال مالك: لا بأس بذلك، وذلك الحلال إذا انتقد مثل ما نقد.

قلت: لِمَ جوزه مالك وقد جاء في الحديث الذي يذكره مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الطعام قبل أن يستوفى؟

قال: قد جاء هذا، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع الطعام قبل أن يستوفى إلا ما كان من شرك، أو إقالة، أو تولية.

قال سحنون: وأخبرني ابن القاسم عن سليمان بن بلال عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من ابتاع طعامًا فلا يبعه حتى يستوفيه إلا ما كان من شرك، أو إقالة، أو تولية)) .

قال مالك: " اجتمع أهل العلم على أنه لا بأس بالشرك والإقالة والتولية في الطعام قبل أن يستوفى إذا انتقد الثمن ممن يشركه، أو يقيله، أو يوليه" (١)

وهذا الحديث الذي رواه الإمام سحنون بسنده، رواه أيضًا عبد الرزاق في مصنفه عن معمر، عن ربيعة عن ابن المسيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((التولية، والإقالة، والشركة سواء لا بأس به)) . وأما ابن جريج فقال: أخبرني ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثًا مستفاضًا بالمدينة، قال: ((من ابتاع طعامًا فلا يبعه حتى يقبضه ويستوفيه إلا أن يشرك فيه، أو يوليه، أو يقيله)) (٢) .

والحديث الذي رواه سحنون، وعبد الرزاق مرسل لكنه مرسل سعيد بن المسيب، وهو يحتج به عند جمهور العلماء (٣) .

وأما سند الحديث فـ الحافظ عبد الرزاق معروف بأنه ثقة حافظ (٤) وهو قد روى عن معمر وغيره، ومعمر أيضًا ثقة ثبت، بل عده علي بن المديني، وأبو حاتم فيمن دار الإسناد عليهم، بل اعتبره النقاد من أثبت الناس (٥) ، وأما ربيعة المعروف بربيعة الرأي فهو أيضًا ثقة ثبت من التابعين الفقهاء المفتين، حتى قال مالك: " ذهبت حلاوة الفقه منذ مات ربيعة" (٦) .


(١) المدونة: ٤ / ٨٠ – ٨١.
(٢) المصنف للحافظ أبي بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني، تحقيق خليل الرحمن الأعظمي، ط. المجلس العلمي: ٨ / ٤٩؛ ونصب الراية: ٤ / ٣١.
(٣) المجموع: ١ / ٦٠ – ٦٣؛ والإحكام للآمدي: ٢ / ١٧٨؛ والمقدمة لابن الصلاح، ص ١٣٠.
(٤) تقريب التهذيب، ط. دار المعرفة: ١ / ٥٠٥؛ وتهذيب التهذيب: ٦ / ٣١٠.
(٥) تهذيب التهذيب: ١٠ / ٢٤٣ – ٢٤٦؛ وتقريب التهذيب: ٢ / ٢٦٦.
(٦) يراجع للمزيد من التفصيل: تهذيب التهذيب: ٣ / ٢٥٨؛ وتقريب التهذيب: ١ / ٢٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>