للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحالة الثانية: أن يشترط المال على المحيل أنه إذا أفلس المحال عليه يرجع على المحيل فله شرطه، قال الدسوقي: " ونقله الباجي كأنه المذهب، وقال ابن رشد: هذا صحيح ولا أعلم فيه خلافا. (١)

وذهب وجه للشافعية إلى مثل هذا. (٢)

٧ – وذهب الشافعية، والحنابلة في المشهور عنهم إلى أن الحوالة تبرئ ذمة المحيل إذا جرت بشروطها – ومن رضا الأطراف – ولا سيما المحيل والمحال، وفى المحال عليه خلاف – ومن كون الدين ثابتا، أو مستقرا، وتماثل الدينين أو أن لا يكون ما على المحال عليه أقل – وحينئذٍ ليس للمحال الحق في الرجوع عليه بأي حال من الأحوال. (٣)

فمسألة براءة ذمة المحيل عن الدين ليست منصوصًا عليها، ولا متفقًا عليها، بل الذي يظهر رجحانه هو أن ذمته إنما تبرأ بشروط وضوابط منها أن يكون المحال عليه مليئا وقت الحوالة كما اشترط ذلك النص النبوي الشريف، ومنها أن لا يموت أو يفلس قبل أداء الدين، وأن لا يشترط المحال حق الرجوع إليه مطلقا.

الشق الثانى: أن دين السلم في حالة فسخه يبقى في ذمة المسلم من خلال الثمن، لأنه قد استلم الثمن فعلا، فإما أن يدفع المسلم فيه بشروطه ومواصفاته، وحينئذ يتسلمه المحال كما هو بدلا من دينه الذي كان على المحيل (المسلم إليه) أو تحدث ظروف تؤدي إلى فسخ السلم بشروطه، وحينئذ يتسلم الثمن، وإذا وجد نقص في دينه فإنه يرجع إلى المحيل بناء على الرأي القائل بعدم براءة ذمته – كما سبق -.

وهناك حل آخر، وهو جواز الاعتياض عنه، بل بيعه لآخر بشروطه كما سبق.

ومن هنا فلا مانع أن يشترط في الحوالة على دين السلم، أو به أن يوضع هذا الشرط، وهو أنه في حالة نقص المتسلم عن الدين فإن المحال يرجع إلى المحيل تحقيقًا للعدالة، كما أن المحال ينبغي أن يحتاط لنفسه فلا يقبل إلا في حدود الثمن إلا إذا كان المسلم مليئًا معروفًا بقدرته على الوفاء.

الاحتمال الرابع: أنه إذا انفسخ عقد السلم بإقالة (٤) ، أو غيرها، فهل يجوز أن يأخذ عن دين السلم عوضًا من غير جنسه؟:

هذه المسألة ذكر فيها العلامة ابن القيم وجهين:

أحدهما: أنه لا يجوز ذلك حتى يقبضه، ثم يصرفه فيما يشاء وهذا اختيار الشريف أبي جعفر، وهو مذهب أبي حنيفة.

والثاني: يجوز أخذ العوض عنه، وهو اختيار القاضي أبي يعلى، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وهو مذهب الشافعي، وهو الصحيح، فإن هذا عوض مستقر في الذمة فجازت المعاوضة عليه كسائر الديون من القرض وغيره.


(١) حاشية الدسوقي: ٣ / ٣٢٨، لكن الدسوقي بعد نقله هذا الكلام عن ابن عرفة قال: "فيه نظر؛ لأن شرطه هذا مناقض لمقتضى العقد، وأصل المذهب في الشرط المناقض للعقد أن يفسده. تأمل ". لكن الحقيقة ليس في هذا الشرط تناقض لمقتضى العقد.
(٢) جاء في الروضة: ٤ / ٢٣٢: " فلو شرط في الحوالة الرجوع بتقدير الإفلاس أو الجحود فهل تصح الحوالة والشرط، أم الحوالة فقط، أم لا يصحان؟ فيه أوجه. هذا إذا طرأ الإفلاس، فلو كان مفلسًا حال الحوالة، فالصحيح المنصوص: أنه لا خيار للمحتال سواء شرط يساره أم أطلق، وفيه وجه يثبت خياره في الحالين، وفي وجه يثبت إن شرط فقط، واختار الغزالي الثبوت مطلقًا".
(٣) الروضة: ٤ / ٢٣١ – ٢٣٢؛ والمغني: ٤ / ٥٨٠ – ٥٨١.
(٤) جاء في المغني: ٤ / ٣٣٦: " قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الإقالة في جميع ما أسلم فيه جائزة " وأما في بعضه فمحل خلاف.

<<  <  ج: ص:  >  >>