للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجه الثاني: أن قياس الحوالة على البيع قياس مع الفارق، لما ذكرنا في الوجه الأول.

الوجه الثالث: أن المقيس عليه نفسه مختلف فيه فلا يصلح أن يكون أصلا ملزمًا للطرفين، فبيع المبيع قبل قبضه – بما فيه المسلم فيه – محل خلاف كما سبق.

ثالثًا: استدلوا بما روي: " من أسلف في شيء فلا يصرفه إلى غيره " (١) .

والجواب عنه – كما سبق – أنه ضعيف جدًا لا ينهض حجة ولو فرضنا ثبوته فلا يدل على منع الحوالة، لأن معناها النهي عن عدم صرف المسلم فيه إلى شيء آخر، ولا يدل الحديث على منع الحوالة به أو عليه.

ويتبين من خلال هذه المناقشة الموجزة ضعف الحجج التي بنى عليها المانعون، حيث لم تصمد أمام المناقشة.

أما المجيزون للحوالة بـ دين السلم، أو عليه فحجتهم قوية – كما سبق.

وقد يرد تساؤل حول حق المحال في الحفاظ على حقه إذا لاحظنا أن المحيل تبرأ ذمته بمجرد الحوالة، وأن المحال عليه (المسلم) يمكن أن ينفسخ سلمه للأسباب المقبولة شرعًا في الفسخ أو الإقالة، وحينئذ ماذا يفعل المحال في الحفاظ على حقه؟

للجواب عن ذلك نقول: إن هذه المسألة تحتاج إلى تفصيل؛ لأن لها شقين:

الشق الأول: هل تبرأ ذمة المحيل إذا تمت الحوالة بشروطها؟

للجواب عن ذلك نقول: إن فيها اختلافًا كبيرًا بين الفقهاء:

١- حيث ذهب الحسن في رواية، وشريح، وزفر إلى أن الحوالة لا يترتب عليها براءة ذمة المحيل مطلقًا، بل تبقى ذمته مع ذمة المحال عليه مشغولة كالكفالة (٢) .

٢- وذهب أبو حنيفة إلى أن المحتال لا يرجع إلى المحيل إلا بالتوى (٣) وهو بأحد أمرين: أن يجحد المحال عليه الحوالة، ويحلف ولا بينة للمحتال والمحيل، أو يموت مفلسًا بغير دين، ولا عين، ولا كفيل.

٣- وأضاف صاحباه إليهما حالة ثالثة وهي: أن يحكم بإفلاسه الحاكم في حياته (٤) .

٤- وذهب الثوري إلى أنه يرجع على المحيل في حالة الموت فقط (٥) .

٥- وذهب الحسن في رواية، وقتادة إلى أنه إذا كان يوم أحال عليه مليئًا لم يكن له حق الرجوع على المحيل (٦) .

٦- وذهب مالك إلى أن المحال لا يرجع على المحيل وإن أفلس المحال عليه، أو جحد بعد الحوالة، غير أن مالكًا استثنى حالتين هما:

الحالة الأولى: أن يعلم المحيل بإفلاسه فقط دون الحال، فحينئذ له الرجوع عليه، لأنه غره، قال الدردير: " والظاهر أن الظن القوي كالعلم، ومثل علمه بإفلاسه علمه بلدده، أو عدمه – أي فقره " (٧) .

وهناك رواية عن أحمد بمثل هذا القول (٨) .


(١) فتح العزيز شرح الوجيز بهامش المجموع: ١٠ / ٣٣٨.
(٢) فتح الباري: ٤ / ٤٦٤؛ والمغني لابن قدامة: ٤ / ٥٨٠.
(٣) التوى على وزن الحصى بمعنى الهلاك، المصباح مادة (توي) .
(٤) حاشية ابن عابدين: ٤ / ٢٩٣.
(٥) فتح الباري: ٤ / ٤٦٤.
(٦) صحيح البخاري مع الفتح: ٤ / ٤٦٤.
(٧) الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي: ٣ / ٣٢٨.
(٨) المغني: ٤ / ٥٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>