للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فذهب جماعة من الفقهاء منهم الحنفية (١) ، ووجه للشافعية (٢) ، والمالكية (٣) . .. في غير ما إذا كان البدلان: المحال به، وعليه طعامًا من بيع، إلى جواز الحوالة بدين السلم وعليه.

وذهب الحنابلة (٤) ، ووجه للشافعية – رجحه النووي (٥) إلى أنه لا تجوز الحوالة بدين السلم، ولا عليه.

وهؤلاء المانعون استدلوا على ما يأتي:

أولاً: أنهم اعتمدوا في منعهم هذا على أن دين الحوالة يجب أن يكون مستقرًّا، وأن السلم بعرض الفسخ (٦) .

ويمكن الجواب عنه بأن هذا الشرط نفسه محل خلاف وليس عليه دليل من الكتاب والسنة، والإجماع؛ فالنص النبوي الشريف في الحوالة لم يشترط كون الدين مستقرًّا أم غير مستقر، بل قال: ((فإذا أتبع – أو أحيل – على مليء فليتبع)) (٧) ، فالنص لم يشترط سوى كون المحال عليه مليئًا قادرًا على أداء الدين، ولذلك قال الشوكاني معلقًا على اشتراط استقرار الدين لدى البعض: " فلا أدري لهذا الاشتراط وجهًا، لأن من عليه الدين إذا أطال على رجل يمتثل حوالته، ويسلم ما أحال به كان ذلك هو المطلوب، لأن به يحصل المطلوب بدين الحال ولو لم يكن في ذمة المحال عليه شيء من الدين (٨) ، ولذلك أجاز الحانبلة أنفسهم استعمال لفظ الحوالة في صورتين ليستا بحوالة، وإنما هي وكالة وقرض (٩) .

ثانيًا: واستدل المانعون كذلك بأن الحوالة إما بيع وهو لا يجوز قبل قبض المبيع، أو هو كالبيع، أي يقاس عليه فيكون حكمه مثل حكمه.

والجواب عن ذلك من وجوه:

الوجه الأول: " أن هذا الكلام مبني على أن الحوالة بيع، وهذا بناء ضعيف؛ لأن الحوالة عقد مستقل له شروطه ومواصفاته، وأن اسمها ومسماها قد أثبتهما الشرع، فلا يقبل أن تدخل في عقد آخر، ومن هنا فاختلاف الاسم والمسمى لغة وشرعًا يدل على اختصاص هذا العقد بأحكامه الخاصة به دون غيره، ولذلك لا يشترط في عقد الحوالة التقابض حتى ولو كان الدينان من النقود، أو الطعام، ولا يدخل في بيع الدين بالدين الذي منعه الفقهاء، وجاز فيه كون أحد الدينين أكثر من الآخر وغير ذلك. (١٠)


(١) جاء في الدر المختار – مع حاشية ابن عابدين: ٤ / ٢٠٨: " وصحت الكفالة والحوالة والارتهان برأس مال السلم ".
(٢) يراجع: فتح العزيز بهامش المجموع: ١٠ / ٣٤٠؛ والروضة: ٣ / ٥١٢.
(٣) الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي: ٣ / ٣٢٧.
(٤) المغني لابن قدامة: ٤ / ٣٣٥، ٥٧٧؛ والمبدع: ٤ / ١٩٨.
(٥) انظر الروضة: ٣ / ٥١٢؛ وتحفة المحتاج: ٥ / ٢٢٨.
(٦) المغني لابن قدامة: ٤ / ٣٣٥.
(٧) الحديث متفق عليه، رواه الشافعي، وأحمد، وأصحاب السنن، انظر: صحيح البخاري مع الفتح: ٤ / ٤٦٤ ومسلم: ٣ / ١١٩٧؛ وسنن أبي داود مع العون: ٩ / ١٩٥؛ والترمذي مع التحفة: ٤/ ٥٣٥؛ وابن ماجه: ٢/ ٨٠٣؛ والسنن الكبرى للبيهقي: ٦ / ٧٠؛ والنسائي: ٧ / ٢٧٨؛ والأم: ٣ / ٢٠٣؛ ومسند أحمد: ٢ / ٤٦٣.
(٨) السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار: ٤ / ٢٤٢.
(٩) جاء في المغني: ٤ / ٥٧٩: " وإن أحال من لا دين له عليه رجلاً على آخر له عليه دين فليس ذلك بحوالة، بل هي وكالة. . وإنما جازت الوكالة بلفظ الحوالة، لاشتراكهما في المعنى. . . وإن أحال من عليه دين على من لا دين عليه فليست حالة أيضًا. . . وإنما هو اقتراض، فإن قبض المحتال منه الدين رجع على المحيل، لأنه قرض. . . وإن أحال من لا دين عليه فهي وكالة في اقتراض، وليست حوالة، لأن الحوالة إنما تكون لدين على دين ". وعند المالكية لو أعلم المحيل المحال بأنه لا دين له على أعمال عليه، أو علم من غيره، وشرط المحيل البراء من الدين الذي عليه، ورضي المحال صح التحول، ولا رجوع له على المحيل، لأنه ترك حقه حيث رضي بالتحول؛ انظر: الشرح الكبير مع الدسوقي: ٣ / ٣٢٦.
(١٠) المغني لابن قدامة: ٤ / ٣٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>