للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والخلاصة أن الإقالة جائزة في عقد السلم بالاتفاق، وأن المسلم إليه (المشتري) له الحق في أن يأخذ بدل رأس ماله (دينه) أي شيء من المسلم، مع ملاحظة قواعد الصرف فيما لو كان رأس ماله نقدًا، ويأخذ الآن نقدًا آخر مكانه، أما لو كان رأس ماله عينًا فيسترد مثله إن كان مثليا، وقيمته إن كان قيميا.

وكذلك له الحق في أن يشتري برأس مال السلم – بعد فسخه – أي شيء آخر مع ملاحظة قواعد الربا في النقود والطعام، ولكنه لا يجوز له أن يشتري به دينًا نسيئة، لأنه لا يجوز بيع الدين النسيء.

وله الحق في الحوالة، والتولية والإشراك، والصلح ونحو ذلك، كما سبق.

صور من بيع الدين المعاصر بناءً على ما أسند إلى الشافعية!!

يلاحظ أن بعض البلاد التي يسود فيها المذهب الشافعي تقوم بعض مؤسساتها المالية الإسلامية ببيع دين المرابحة، وحتى بعض علمائها حل معاملات شبيهة بخصم الكمبيالات (سندات الدين) التجارية، فمن هذه الصور أن يقوم المصرف اليوم ببيع سلعة بالمرابحة إلى أحمد بثمن مقدر بعشرة آلاف دولار (مثلاً) لمدة سنة، وحينئذ يتحول الثمن إلى دين يستحق الأداء بعد سنة موثق بسندات القبض، وعندئذ يقوم المصرف ببيع تلك السندات على محمود حالاً أو في زمن أقل من السنة مثلاً بمبلغ أقل من دين المرابحة، ثم يقوم محمود باستيفاء الدين كاملاً (قيمة الصفقة السابقة بين المصرف وأحمد) بعد انتهاء مدته.

تحقيق مذهب الشافعية في بيع الدين:

وبالرجوع إلى المصادر المعتمدة في المذهب الشافعي نرى أن خلافه ليس في بيع الدين بالدين على التفصيل الذي ذكرناها، وإنما خلافه في بيع الدين بالعين، كما ظهر ذلك من خلال ما نص عليه الشافعي وفقهاء المذهب، فقد جاء في الأم: " من سلف في طعام موصوف فحل السلف، فإنما له طعام في ذمة بائعه، فإن شاء أخذه به كله حتى يوفيه إياه، وإن شاء تركه كما يترك سائر حقوقه إذا شاء، وإن شاء أخذ بعضه وأنظره ببعض، وإن شاء أقاله منه كله. .. ".

ثم قال: " فالقياس والمعقول مكتفى به فيه " كما ذكر عدة آثار تدل على ذلك (١) .

وقد لخص الأئمة الشيرازي والرافعي والنووي مذهب الإمام الشافعي في بيع الديون، جاء في المهذب: " وأما الديون فينظر فيها فإن كان الملك عليها مستقرًا كغرامة المتلف، وبدل القرض جاز بيعه ممن عليه قبل القبض، لأن ملكه مستقر عليه، فجاز بيعه كالمبيع بعد القبض، وهل يجوز من غيره؟ فيه وجهان:

أحدهما: يجوز، لأن ما جاز بيعه ممن عليه جاز بيعه من غيره كالوديعة.

والثاني: لا يجوز، لأنه لا يقدر على تسليمه إليه، لأنه ربما منعه، أو جحده، وذلك غرر لا حاجة به إليه فلم يجز.

والأول أظهر، لأن الظاهر أنه يقدر على تسليمه إليه من غير منع ولا جحود وإن كان الدين غير مستقر نظرت فإن كان مسلما فيه لم يجز بيعه.

وإن كان ثمنا في بيع ففيه قولان: قال في الصرف: " يجوز بيعه قبل القبض لما روى ابن عمر، قال: " كنت أبيع الإبل بالبقيع (٢) بالدنانير فآخذ الدراهم وأبيع بالدراهم فآخذ الدنانير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا بأس بذلك ما لم تتفرقا وبينكما شيء)) (٣) ، ولأنه لا يخشى من انفساخ العقد فيه بالهلاك فصار كالبيع بعد القبض.


(١) الأم، ط دار المعرفة، بيروت: ٣ / ١٣٢.
(٢) جاء في المجموع: ٢٧٣١٩ وقوله بالبقيع هو الباء الموحدة، وإنما قيدته لأني رأيت من يصحفه.
(٣) الحديث رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والنسائي والحاكم وغيرهم وصححه النووي وغيره كما سبق وضعفه الألباني في الإرواء: ٥ / ١٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>