للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصورة الثانية – بيع الدين الحال للمدين بثمن مؤجل:

٧- وقد ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة في المذهب إلى عدم جوازها، لأنها من بيع الكالئ بالكالئ الذي ورد النهي عنه، وأجمع الفقهاء على حظره. ويسمي المالكية هذه الصورة (فسخ الدين في الدين) لأن ما في ذمة المدين من الدين الأول قد فسخ وزال بالتزامه دينًا آخر بدله (١) .

قال أبو عبيد القاسم بن سلام: " النسيئة بالنسيئة في وجوه كثيرة من البيع، منها: أن يسلم الرجل إلى الرجل مائة درهم إلى سنة في كر طعام، فإذا انقضت السنة وحل الطعام، قال الذي عليه الطعام للدافع: ليس عندي طعام، ولكن بعني هذا الكر بمائتي درهم إلى شهر، فيبيعه منه، ولا يجري بينهما تقابض. فهذه نسيئة انقلبت إلى نسيئة، ولو كان قبض الطعام منه، ثم باعه منه أو من غيره بنسيئة لم يكن كالئًا بكالئ" (٢) .

وقال المطرزي: " النسيئة بالنسيئة هو أن يكون على رجل دين، فإذا حل أجله استباعك ما عليه إلى أجل " (٣) .

وقال الباجي: " بيع ثوب إلى أجل بحيوان على بائعه إلى أجل أدخل في باب الكالئ بالكالئ" (٤) .

٨- وخالفهم في ذلك ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وقالوا بجواز هذا البيع، وحجتهم على ذلك نفس الحجة التي ساقوها على الصورة السابقة وهي بيع الدين المؤجل للمدين بثمن مؤجل (٥) .

٩- والراجح في نظرية ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من عدم جواز هذه الصورة، وذلك لصحة اندراجها تحت مفهوم بيع الكالئ بالكالئ المحظور بإجماع أهل العلم، ولأنها ذريعة إلى ربا النسيئة، حيث إن استبدال الدين الحال بدين مؤجل من غير جنسه مظنة الزيادة في الدين في مقابل الأجل الممنوع للمدين، وذلك في معنى ربا الجاهلية (تقضي أم تربي) . وقد نبه إلى هذا المعنى القاضي عياض بقوله في معنى بيع الكالئ بالكالئ: "وتفسيره: أن يكون لرجل على آخر دين من بيع أو غيره، فإذا جاء لاقتضائه لم يجده عنده، فيقول له: بع مني شيئًا إلى أجل أدفعه إليك – وما جانس هذا – ويزيده في المبيع لذلك التأخير، فيدخله السلف بالنفع" (٦) .


(١) الزرقاني على خليل: ٥ / ٨١؛ منح الجليل: ٢ / ٥٦٢؛ التاج والإكليل: ٤ / ٣٦٧؛ مواهب الجليل: ٤ / ٣٦٨؛ حاشية الحسن بن رحال على شرح ميارة: ١ / ٣١٧؛ المعونة: ٢ / ٩٩٢.
(٢) غريب الحديث لأبي عبيد: ١ / ٢١ وقد نقله عنه ابن منظور في اللسان: ١ / ١٤٧؛ والفيومي في المصباح: ٢ / ٦٥٤.
(٣) المغرب في ترتيب المعرب: ٢ / ٢٢٨.
(٤) المنتقى شرح الموطأ: ٥ / ٣٣.
(٥) انظر ف ٥ من البحث.
(٦) مشارق الأنوار للقاضي عياض: ١ / ٣٤٠؛ وانظر أيضًا: الزرقاني على خليل: ٥ / ٨١؛ منح الجليل: ٢ / ٥٦٢؛ الموافقات: ٤ / ٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>