للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ب- وبأن بيع الكالئ بالكالئ المنهي عنه بالإجماع هو أن يبيع المرء شيئًا موصوفًا في الذمة إلى أجل بثمن مؤجل، أما غير هذه الصورة فهي محل خلاف العلماء. قال ابن تيمية: "والإجماع إنما هو في الدين الواجب بالدين الواجب، كالسلف المؤجل من الطرفين " (١) . أما بيع الدين الساقط بالواجب كما هو الحال في هذه الصورة فلم يرد عنه نهي لا بلفظه ولا بمعناه. قال ابن القيم: " والساقط بالواجب: كما لو باعه دينًا له في ذمته بدين آخر من غير جنسه، فسقط الدين المبيع، ووجب عوضه، وهو بيع الدين ممن هو في ذمته. . . وإذا جاز أن يشغل أحدهما ذمته، والآخر يحصل على الربح – وذلك في بيع العين بالدين – جاز أن يفرغها من دين ويشغلها بغيره، وكأنه شغلها به ابتداءً، إما بقرض أو بمعاوضة، فكانت ذمته مشغولة بشيء، فانتقلت من شاغل إلى شاغل، وليس هناك بيع كالئ بكالئ، وإن كان بيع دين بدين، فلم ينه الشارع عن ذلك لا بلفظه ولا بمعنى لفظه، بل قواعد الشرع تقتضي جوازه، فإن الحوالة اقتضت نقل الدين وتحويله من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه، فقد عاوض المحيل المحتال من دينه بدين آخر في ذمة ثالث، فإذا عاوضه من دينه على دين آخر في ذمته كان أولى بالجواز " (٢) .

٦- وبالنظر في أدلة الفريقين يبدو لي رجحان قول جمهور الفقهاء بعدم جواز هذه الصورة، وذلك لصدق (بيع الكالئ بالكالئ) المنهي عنه بإجماع الفقهاء عليها (٣) ، حيث إن معناها (بيع النسيئة بالنسيئة) أو (بيع الدين المؤخر الذي لم يقبض بالدين المؤخر) باتفاق أهل العلم (٤) ، وهذه الصورة من مشتملاته. قال ابن هبيرة الحنبلي في (الإفصاح) : "واتفقوا على أن بيع الكالئ بالكالئ باطل" (٥) . ولأن قصر شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم معنى بيع الكالئ بالكالئ على صورة السلف المؤجل من الطرفين غير مسلم، لافتقاره إلى دليل يفيده، ولوجود صور أخرى يصدق عليها معناه وتدخل تحت عمومه، وقد نقل الإجماع على حظر بعضها باعتبارها من أفراده، ومنها هذه الصورة.


(١) نظرية العقد لابن تيمية، ص ٢٣٥؛ مجموع فتاوى ابن تيمية: ٢٩ / ٢٧٤.
(٢) إعلام الموقعين: ١ / ٣٨٩.
(٣) وقد حكى هذا الإجماع الإمام أحمد وابن المنذر وابن رشد وابن قدامة وابن تيمية والسبكي وغيرهم؛ (انظر المغني: ٤/ ٥٣؛ نظرية العقد لابن تيمية، ص ٢٣٥؛ الإجماع لابن المنذر، ص ١١٧؛ بداية المجتهد: ٢ / ١٦٢؛ تكملة المجموع للسبكي: ١٠ / ١٠٧؛ الزرقاني على الموطأ: ٣ / ٣٠٨؛ سبل السلام: ٣ / ١٨) .
(٤) المذهب: ١ / ٢٧٨؛ أحكام القرآن للجصاص: ١ / ٤٦٦، ٤٨٣؛ مرقاة المفاتيح: ٣ / ٣٢٢؛ نظرية العقد، ص ٢٣٥؛ حاشية ابن رحال على شرح ميارة: ١ / ٣١٧.
(٥) الإفصاح: ١ / ٣٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>