للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروى مالك في الموطأ عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وابن شهاب وأبي بكر بن حزم أنهم نهوا عن أن يبيع الرجل حنطة بذهب إلى أجل، ثم يشتري بالذهب تمرًا قبل أن يقبض الذهب (١) . ثم عقب مالك على ذلك بقوله: "وإنما نهى هؤلاء عن أن يبيع الرجل حنطة بذهب، ثم يشتري الرجل بالذهب تمرًا قبل أن يقبض الذهب من بائعه الذي اشترى منه الحنطة. فأما أن يشتري بالذهب التي باع بها الحنطة إلى أجل تمرًا من غير بائعه الذي باع منه الحنطة قبل أن يقبض الذهب، ويحيل الذي اشترى منه التمر على غريمه الذي باع منه الحنطة بالذهب التي له عليه في ثمن التمر فلا بأس بذلك. وقد سألت عن ذلك غير واحد من أهل العلم، فلم يروا به بأسًا" (٢) .

ب- وتخريجًا على القول المشهور في مذهب المالكية، وهو وجه عند الشافعية، ورواية عن أحمد اختارها ورجحها ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وهو جواز بيع الدين النقدي المؤجل لغير المدين بسلعة حاضرة، إذا انتفى غرر عدم القدرة على تسليم الدين في وقت محله (٣) .

وبناءً على ما تقدم يمكن للبنك الإسلامي أن يشتري (مثلاً) ألف سيارة بثمن معجل، ثم يبيعها للعملاء بثمن مؤجل موثق بكفيل أو رهن، ولا حرج بعد ذلك شرعًا في أن يعمد إلى توريق تلك الديون على عملائه، والشراء بصكوكها كمية أخرى من السيارات الحاضرة من المصنع مثلاً، ثم يبيعها بثمن مؤجل موثق آخر، ثم يورق ثمنها، ويشتري به سلعًا حاضرة أخرى غيرها، وهكذا. . . وبذلك لا تتجمد تلك الديون النقدية المؤجلة في الفترة ما بين ثبوتها في الذمة وحلول أجلها، بل تتحول إلى ما يشبه النقود السائلة بجعلها ثمنًا لسلع عينية حاضرة.

ب- توريق الدين السلعي:

٣٤- إذا كان الدين الثابت في الذمة – المؤجل الوفاء – سلعيًّا، بأن كان مبيعًا موصوفًا في الذمة، منضبطًا بمواصفات محددة، طبقًا لمقاييس دقيقة معروفة، سواء أكان من المنتجات الزراعية كالحبوب أو الحيوانية كالألبان ومشتقاتها أو الصناعية كالحديد والإسمنت والسيارات والطائرات أو من منتجات المواد الخام كالبترول والغاز الطبيعي أو نصف المصنعة كالنفط والكلنكر وغيرها. . . فإنه يمكن تخريج جواز توريقه على قول الإمام أحمد الذي رجحه ابن تيمية وابن القيم – وهو وجه عند الشافعية أيضًا – بجواز بيع الدين المؤجل من غير المدين بثمن معجل إذا خلا من الربا، وكذا على مذهب المالكية القائلين بجواز بيعه إذا لم يكن طعامًا، وسلم من الغرر والربا وبعض المحظورات العارضة الأخرى التي ذكروها، مع مراعاة ما تلزم مراعاتها من القيود والشرائط الشرعية (٤) .

فإن قيل: كيف جوزتم بيع الدين قبل قبضه من غير المدين، مع أنه بيع لما لم يقبض، وهو منهي عنه في الأحاديث الصحيحة؟! فالجواب ما قاله ابن تيمية في الرد على ذلك: " النهي إنما كان في الأعيان لا في الديون" (٥) . فافترقا. . . والله تعالى أعلم.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

أ. د نزيه كمال حماد


(١) الموطأ: ٢ / ٦٤٣.
(٢) الموطأ: ٢ / ٦٤٣.
(٣) انظر ف ٢٢، ٢٣ من البحث.
(٤) انظر ف ٢٢، ٢٣ من البحث.
(٥) مجموع فتاوى ابن تيمية: ٢٩ / ٥١٩؛ المسائل الماردينية لابن تيمية، ص ١٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>