للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحالة الثالثة: أن تكون موجودات وعاء المضاربة خليطًا من سلع عينية (ونحوها من المنافع) وديون مرابحات. وفي هذه الحالة يفرق بين صورتين:

الأولى: أن تكون قيمة الأعيان (ونحوها من المنافع) أكثر من مقدار الدين الموجود في الوعاء، وعندها يسري على هذه الصورة حكم الحالة الأولى، وهو الحل والجواز، إذ (الأقل تبع للأكثر، وللأكثر حكم الكل) (١) ، كما هو مقرر في قواعد الفقه، ولأنه (يغتفر في التوابع ما لا يغتفر في غيرها) (٢) ، حسب ما جاء في القواعد الفقهية أيضًا.

والصورة الثانية: أن تكون قيمة الأعيان والمنافع أقل من مقدار دين المرابحة، وعندها يسري على هذه الصورة حكم الحالة الثانية، وهو الحرمة والحظر، إذ (الأقل لا يزاحم الأكثر) (٣) ، ولأن (إقامة الأكثر مقام الكل أصل في الشرع) (٤) كما جاء في قواعد الفقه.

وقد جاء تأكيد ذلك في قرار مجلس مجمع الفقه الإسلامي بجدة حول سندات المقارضة وسندات الاستثمار ونصه:

"الصورة المقبولة شرعًا ل سندات المقارضة بوجه عام لا بد أن تتوافر فيه العناصر التالية:

- أن تكون صكوك المقارضة قابلة للتداول بعد انتهاء الفترة المحددة للاكتتاب، باعتبار ذلك مأذونًا فيه من المضارب عند نشوء السندات، مع مراعاة الضوابط التالية:

أ- إذا كان مال القراض المتجمع بعد الاكتتاب وقبل المباشرة في العمل بالمال ما يزال نقودًا، فإن تداول صكوك المقارضة يعتبر مبادلة نقد بنقد، وتطبق عليه أحكام الصرف.

ب- إذا أصبح مال القراض ديونًا، فتطبق على تداول صكوك المقارضة أحكام تداول التعامل بالديون.

ج- إذا صار مال القراض موجودات مختلطة من النقود والديون والأعيان والمنافع، فإنه يجوز تداول صكوك المقارضة وفقًا للسعر المتراضى عليه، على أن يكون الغالب في هذه الحالة أعيانًا ومنافع (٥) .

٣٣ – غير أن عدم جواز توريق المديونية النقدية باعتباره لونًا من حسم الأوراق التجارية لا يعني إغلاق باب المشروعية بالكلية أمام فكرة توريق الدين النقدي، وذلك لأننا لو طورنا مفهوم التوريق التقليدي السائد، ووضعنا بعض القيود الشرعية على ممارساته لأمكننا الخروج بصورة مقبولة شرعًا للتوريق.

وبيان ذلك: أننا لو صككنا الدين النقدي المؤجل على أساس قصر مبادلته على عروض التجارة (أي السلع العينية) الحاضرة، بأن يجعل ثمنًا لها، لكان ذلك جائزًا شرعًا.

أ- بناء على قول مالك والنخعي والقاضي شريح وزفر بن الهذيل وغيرهم بجواز الشراء بالدين من غير من هو عليه، حيث جاء في المبسوط للسرخسي: "وعلى قول زفر: الشراء بالدين من غير من عليه الدين صحيح، كما يصح ممن عليه الدين، لأن الشراء لا يتعلق بالدين المضاف إليه، ألا ترى أنه لو اشترى بالدين الظنون (٦) شيئًا، ثم تصادقا على أن لا دين، كان الشراء صحيحًا بمثل ذلك الثمن في ذمته، فكذلك هنا يصح الشراء بمثل ذلك الدين في ذمة المشتري " (٧) . وجاء فيه أيضًا: "ذكر عن إبراهيم وشريح أنهما كانا يجوزان الشراء بالدين من غير من عليه الدين، وقد بينا أن زفر أخذ بقولهما في ذلك " (٨) .


(١) المبسوط للسرخس: ٣ / ٣٩.
(٢) مجلة الأحكام العدلية م (٥٤) .
(٣) المبسوط للسرخسي: ٢ / ١١٥.
(٤) المبسوط: ١٦ / ١٠٠، ٢٦ / ١٠٠.
(٥) القرار رقم (٥) د ٤ / ٠٨ / ٨٨ (الدورة الرابعة للمجمع المنعقدة بجدة ما بين ٦- ١١ فبراير ١٩٨٨م) .
(٦) الدين الظنون: هوالدين الذي لا يرجى قضاؤه، ويئس صاحبه من عوده إليه في الغالب، لإعدام المدين أو جحوده، مع عدم البينة على الدين، أو لأي سبب آخر؛ (الأموال لأبي عبيد، ص ٤٦٦؛ المحلى لابن حزم: ٦ / ١٠٣؛ أساس البلاغة، ص ٢٩١؛ القاموس المحيط، ص ١٥٦٦) .
(٧) المبسوط: ١٤ / ٢٢.
(٨) المبسوط: ١٤ / ٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>