وتتم عملية تداول الديون وتنميطها بطرق مختلفة، فقد يبيع المصدر الأصلي (أي البنك مثلاً) الدين برمته إلى مالك جديد، يقوم بعد شرائه تلك الديون بقبض أقساط التسديد والفوائد المترتبة على القرض وعلى التأخير. .. إلخ. وتقتصر مهمة المصدر الأصلي على خدمة العلاقة بينهما، وتسمى Pass – Throughs. وقد تبقى ملكية الدين للمصدر الأصلي، وتبقى العلاقة مستمرة بينه وبين المدين، ولكنه – أي المصدر الأصلي – يقوم ببيع تيار الفوائد المتوقع من ذلك القرض، فيكون الدين مستحقًا للمصدر الأصلي، ويتحمل هو المخاطرة المتضمنة فيه، ولكنه يستعجل قبض الفوائد بأخذها من طرف ثالث معجلة (بمبالغ أقل طبعًا) وتسمى Pay – Throughs، أي أن المصدر يقبض مقدمًا الفوائد المتوقع دفعها فقط. أما الطريقة الثالثة، فهي إصدار سندات مضمونة بتلك الديون، ثم بيعها، فتكون الديون الأصلية ضمانًا لتلك السندات فقط، وتسمى Mortgage Baked.
وفي كل الحالات تقوم عملية تداول الديون على التنميط، إذ يقوم الدائن الأصلي بتوزيع تلك القروض إلى مجموعات متشابهة في مقدار المخاطرة المتضمنة فيها (أي ملاءة المدين) وتواريخ استحقاقها، ومعدلات الفوائد عليها، ثم يصدرها على شكل أدوات قابلة للتداول، وبذلك تستطيع أن تحول الدين قليل السيولة إلى سيولة كاملة.
وقد توسعت هذه العمليات حتى صار جل الديون قابلاً للتنضيض بهذه الطريقة، بما في ذلك الديون على الدول (دون العالم الثالث) للبنوك الدولية، ولا يلزم أن يكون لربا وثائق مثل الأسهم والسندات، بل كثيرًا ما تبقى على صفة قيود محاسبية في دفاتر المؤسسات المعنية، وتتداول بينهم بواسطة الكمبيوتر " (١) .
حكم التوريق في الفقه الإسلامي:
أما عن الحكم الشرعي للتوريق ومدى مشروعيته، فالنظر الفقهي يقتضي التفريق بين نوعين من المديونية: مديونية النقود، ومديونية السلع (عروض التجارة) . وبيان ذلك فيما يلي:
أ – توريق الدين النقدي:
٣٠ – إذا كان الدين الثابت في الذمة المؤجل السداد نقودًا، فقد اتفقت كلمة الفقهاء على عدم جواز توريقه، وامتناع تداوله في سوق ثانوية، سواء بيع بنقد معجل من جنسه – حيث إنه يكون من قبيل حسم الكمبيالات، وينطوي على ربا الفضل والنساء باتفاق الفقهاء _ أو بيع بنقد معجل من غير جنسه، لاشتماله على ربا النساء، وذلك لسريان أحكام الصرف عليه شرعًا. ولا فرق في ذلك الحكم بين ما إذا كان سبب وجوب الدين النقدي في الذمة قرضًا أو بيعًا أو إجارة أو غير ذلك.
٣١ – وبناءً على ذلك فلا يجوز توريق دين المرابحة (المصرفية) المؤجل، وتداوله من قبل المصارف الإسلامية أو الأفراد في سوق ثانوية أو عن طريق البيع المباشر بنقد معجل أقل منه، كما يجري في عمليات توريق الديون المختلفة وتداولها في سوق الأوراق المالية، حيث إن ذلك من الربا باتفاق أهل العلم.
٣٢- أما عن حكم بيع صكوك المضاربة لدى البنوك الإسلامية، التي تمثل حصصًا شائعةً في وعاء المضاربة، فيفرق في شأنها بين ثلاث حالات:
الحالة الأولى: أن تكون موجودات وعاء المضاربة سلعًا عينية. فهذه لا حرج شرعًا في بيع صكوكها بنقود معجلة أقل من قيمتها السوقية أو أكثر أو مساوية، ولا حرج أيضًا في شراء المساهم (الجديد) حصة المساهم (الخارج) ، لأن ذلك كله من قبيل بيع الأعيان بالنقود المعجلة، ولا ينطوي على صريح الربا أو شبهته، وهو خالٍ أيضًا من الغرر المحظور شرعًا، والأصل فيه الحل والمشروعية.
الحالة الثانية: أن تكون موجودات وعاء المضاربة ديون مرابحات مؤجلة فقط. فهذه الديون لا يحل توريقها، ولا يجوز بيع صكوكها بنقود معجلة أقل من مقدار الديون المؤخرة، كما أنه لا يجوز شراء مساهم (جديد) حصة مساهم (خارج) بنقود ناجزة أقل من المقدار المؤجل الذي تمثله، لاشتمال ذلك على الربا باتفاق أهل العلم.
(١) الأسواق المالية للدكتور القري بتصرف، ص ١١٦ – ١١٨.