للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسألة الثالثة

التوريق (تصكيك الديون)

٢٩- كلمة (التوريق) تعريب لمصطلح اقتصادي حديث وهو (Securitization) الذي يعني: جعل الدين المؤجل في ذمة الغير – في الفترة ما بين ثبوته في الذمة وحلول أجله – صكوكًا قابلة للتداول في سوق ثانوية. وبذلك يمكن أن تجرى عليه عمليات التبادل والتداول المختلفة، وينقلب إلى نقود ناضة بعد أن كان مجرد التزام في ذمة المدين.

وقد اشتقت هذه التسمية مما جاء في اللغة من قولهم: أورق الرجل؛ إذا صار ذا ورق. والورق: الدراهم المضروبة من الفضة. وذلك كناية عن كثرة النقود في يده (١) . ومن المعلوم أن الدائن يصير بالتوريق ذا نقود سائلة (ورق) بعد أن كان مجرد صاحب دين مؤجل في ذمة الغير، وكذا سائر من انتقلت إليه ملكية ذلك الصك. . . ونظير ذلك مصطلح (التورق) في الفقه الحنبلي الذي يعني (أن يشتري الشخص سلعة نسيئة، ثم يبيعها نقدًا لغير البائع بأقل مما اشتراها به، ليحصل بذلك على النقد) (٢) . حيث إن قصد ذلك الشخص بالبيعتين هو الحصول على الدراهم الناضة (النقود السائلة) لا غير.

وقد أطلق بعض العلماء المعاصرين على هذه العملية اسم (التصكيك) وذكر أنها تقوم في الأساس على خلق أوراق مالية قابلة للتداول، مبنية على حافظة استثمارية ذات سيولة متدنية (٣) . هذا وقد اكتسبت هذه الأوراق المالية (وثائق تداول الديون) أهمية كبرى في أسواق المال العالمية في السنوات الأخيرة، حيث فتحت الباب على مصراعيه لتداول الديون واستثمار الأموال في هذا السبيل الميسر المنظم.

وفي ذلك يقول الدكتور القري: " لقد بدأت فكرة تداول الديون عندما قامت مؤسسة تمويل بناء المساكن في الولايات المتحدة Government National Mortgage Association والمشهور باسم Ginne Mea – والتي تتولى عملية تمويل بناء المنازل – سنة ١٩٦٨م بالتمويل لا عن طريق الإقراض المباشر، ولكن عن طريق توفير السيولة لمؤسسات الإقراض الخاصة، التي تقوم عندئذ بتقديم القروض. ثم تقوم المؤسسة بشراء تلك القروض (الديون) التي تقدمها المؤسسات لبناء المساكن، ومن ثم بتمكينها من التوسع في الإقراض. ولقد ولد ذلك سوقًا ثانوية لقروض بناء المساكن، سرعان ما توسعت، ودخلت فيها مؤسسات أخرى غير المؤسسة المذكورة Ginne Mea، مما أدى إلى تطورها، بحيث لم تعد تقتصر على قروض بناء المساكن، بل شملت كل أنواع الديون، كذلك الناتجة عن تمويل شراء السلع الاستهلاكية والسيارات وقروض بطاقات الائتمان والقروض الخاصة بإنشاء الأصول الرأسمالية. . . إلخ، وقد أمكن بهذه الطريقة تحويل الديون طويلة الأجل وقليلة السيولة إلى أصول سائلة.


(١) القاموس المحيط، ص ١١٩٨؛ أساس البلاغة، ص ٤٩٦؛ المصباح المنير: ٢ / ٤٤١.
(٢) وهذه المسألة معروفة عند بقية المذاهب، ولكنهم لا يسمونها تورقًا. أما عن حكم التورق عند الفقهاء: فقد ذهب جمهورهم إلى إباحته، لأنه بيع لم يظهر فيه قصد الربا ولا صورته. وكرهه عمر بن عبد العزيز ومحمد بن الحسن الشيباني. وقال الكمال بن الهمام: هو خلاف الأولى. واختار تحريمه ابن تيمية وابن القيم على أنه من بيع المضطر. غير أن المذهب الحنبلي على إباحته. (رد المحتار: ٤ / ٢٧٩؛ فتح القدير: ٥ / ٤٢٥؛ روضة الطالبين: ٣ / ٤١٦؛ تهذيب مختصر سنن أبي داود لابن القيم: ٥ / ١٠٨؛ كشاف القناع: ٣ / ١٥٠، ١٨٦؛ الاختيارات الفقهية من فتاوى ابن تيمية للبعلي، ص ١٢٩؛ مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد م ٢٣٤) .
(٣) الدكتور محمد علي القري؛ الأسواق المالية، ص ١١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>