للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣٨- ولا يخفى أن عملية خصم الكمبيالات مغايرة تمامًا لمسألة (ضع وتعجل) السائغة شرعًا في نظر بعض الفقهاء، ذلك أن حديث (ضعوا وتعجلوا) (١) تضمن مشروعية حط الدائن لمدينة بعض الدين المؤجل نظير تعجيل باقيه على أساس أنه نوع من الصلح في الديون بين الدائن والمدين فحسب، ولذلك صنف الفقهاء مسألة ضع وتعجل تحت عنوان (صلح الإسقاط) أو (صلح الإبراء) أو (صلح الحطيطة) باعتبار أن القصد منه إسقاط الدين عن المدين وإبراء ذمته، خلافًا لربا النسيئة الذي يتضمن إنشاء دين وشغل الذمة، والفرق بينهما كما ذكر ابن القيم ِ: " أن مقابلة الأجل بالزيادة في الربا ذريعة إلى أعظم الضرر، وهو أن يصير الدرهم الواحد ألوفًا مؤلفة، فتشتغل الذمة بغير فائدة، وفي الوضع والتعجيل تتخلص ذمة هذا من الدين، وينتفع ذاك بالتعجيل له، والشارع له تطلع إلى براءة الذمم من الديون، وقد سمى الغريم المدين أسيرًا، ففي براءة ذمته تخليص له من الأسر، وهذا ضد شغلها بالزيادة مع الصبر" (٢) .

ثم إن حديث الوضع والتعجيل تضمن مشروعية الصورة التي ورد فيها على أساس أن تكون العلاقة في هذه العملية ثنائية بين الدائن والمدين، إذ لا يتصور صلح الحطيطة أو الإسقاط والإبراء في علاقة ثلاثية – كما هو الحال في خصم الكمبيالات – حيث يدخل طرف ثالث ممول (وهو البنك الخاصم) فيقدم قرضًا بزيادة إلى أجل بشكل صريح أو ضمني، فافترقا. .

وقد جاء في قرار مجلس مجمع الفقه الإسلامي في دورته السابعة المنعقدة بجدة من ٧- ١٢ ذي القعدة ١٤١٢ هـ / الموافق ٩ – ١٤ مايو ١٩٩٢ م حول متعلقات موضوع (البيع بالتقسيط) ما يلي:

"الحطيطة من الدين المؤجل لأجل تعجيله، سواء أكانت بطلب الدائن أو المدين (ضع وتعجل) جائزة شرعًا، ولا تدخل في الربا المحرم إذا لمن تكن بناءً على اتفاق مسبق، وما دامت العلاقة بين الدائن والمدين ثنائية، فإذا دخل بينهما طرف ثالث لم تجز، لأنها حينئذ تأخذ حكم حسم الأوراق التجارية ".


(١) رواه الحاكم والبيهقي. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. وقد اعترض الذهبي على تصحيحه، وأشار إلى ضعفه. قال ابن القيم: " قلت: هو على شرط السنن، وقد ضعفه البيهقي، ورجال إسناده ثقات، وإنما ضعف بمسلم بن خالد الزنجي، وهو ثقة فقيه، روى عنه الشافعي واحتج به "؛ (إغاثة اللهفان: ٢ / ١٣؛ وانظر السنن الكبرى للبيهقي: ٦ / ٢٨؛ المستدرك وبهامشه تلخيصه للذهبي: ٢ / ١٣) .
(٢) إغاثة اللهفان: ٢ / ١٣؛ وانظر إعلام الموقعين: ٣ / ٣٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>