للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١-٧-٧ القبالات:

القبالة بيع إيراد آجل بثمن عاجل، وهي شبيهة ببيع الدين وإن لم تكن مطابقة له، لأن الإيراد ربما كان دينًا في ذمم وربما كان غير ذلك، والمشهور أنها ربا على حديث ابن عمر، رضي الله عنه، (القبالات ربا) وقد ذكر ابن تيمية، رحمه الله، في القواعد النورانية القبالات التي عدها ابن عمر من الربا هي ضمان الأرض بقدر معين من جنس فعلها فهي جنس واحد وفضل آجل. أما ضمان الأرض بالدراهم والدنانير فليس من الربا بسبيل (١) .

١ – ٨ بيع الدين في عمل البنوك الإسلامية:

يشوب عمل البنوك الإسلامية بيع الدين بصيغته الممنوعة بطريقتين، الأولى ظاهرة الحرمة أسميناها البيع الجلي والثانية غير ظاهرة أسميناها البيع الخفي.

١-٨-١ البيع الجلي:

تمارس البنوك الإسلامية في بضع الدول الإسلامية صيغة لبيع الدين المتولد من عمليات المرابحة والبيع الآجل لا تختلف كثيرًا عن حسم الكمبيالات في العمل المصرفي التقليدي ووصفها كما يلي:

يقوم البنك ببيع سلعة إلى عميله بالمرابحة بثمن مقسط يدفعه على مدى ٢٤ شهرًا (أو أكثر أو أقل) ، ثم يوقع هذا العميل على (سندات لأمر) (كمبيالات) توثيقًا للدين الثابت في ذمته وهو ثمن البيع، ثم يقوم البنك ببيع هذه الكمبيالات للحصول على النقد ويكون ذلك قبل حلول الأجل وبسعر بيع لتلك الأوراق يقل عن القيمة الاسمية لها (مبلغ الدين الثابت في الذمة) . وتتضمن هذه العملية حسم الكمبيالة إذ أن ما يدفع فيها من ثمن عاجل يقل دائمًا عن القيمة الاسمية التي تستحق في أجل السداد والفرق بينهما هو ربح مشتري الورقة. وقد وقف الكاتب أثناء زيارته لبعض الدول الإسلامية على طريقة ممارسة البنوك الإسلامية فيها لهذه الصيغة، فوجدها كالوصف المذكور أعلاه. كما أنها قد ذكرت في مطبوعات صادرة في تلك البلاد باللغة الإنجليزية والعربية (٢) .

إن الجدير بالنظر في هذه المسألة هو أن هذه البنوك الإسلامية عندما تمارس ما ذكر أعلاه من بيع الدين، فإنها تفعل مدعية أنه جائز من الناحية الشرعية. وفي حديث للكاتب مع بعض القائمين على العمل في أحد هذه البنوك فهمت منه أن الرأي المذكور قد اعتمد عندهم على التفريق بين الدين يكون أصله قرضًا والدين يكون أصله بيعًا. فهم يرون أن المعاملة لو كانت قرضًا لم يجز بيعهم وثائقه، ذلك أن مبلغ القرض إذا ثبت في ذمة المقترض وصار دينًا عليه لا يجوز التصرف به من قبل الدائن بالبيع.

أما ثمن البيع الآجل للسلع فإنه إذا ثبت في ذمة المشتري وصار دينًا عليه فللدائن التصرف فيه بالبيع، لأن هذا التصرف في نظرهم إنما يقع على السلعة المباعة التي يرون أن ملك المشتري عليها لم يستقر بعد، ومن ثم فليست هذه المعاملة في رأيهم نقودًا مقابل نقود (عاجلة وآجلة) ، ولكن المجل فيها هو تلك السلعة. وهو قول غريب.

ولا نعلم أن الفقهاء فرقوا بين الدين يكون أصله القرض أو يكون أصله البيع الآجل إلا في حالة واحدة وهي التي ذكرها الفقهاء في باب الرهن إذ أجازوا الانتفاع بالرهن بالشرط السابق للعقد في حال كونه لتوثيق دين من بيع آجل، وعدم جواز ذلك في حال كونه لتوثيق القرض. لأنه يكون مظنة الزيادة فيه وهي ربا.

١-٨-٢ – البيع الخفي:

لقد وقعت بعض البنوك الإسلامية في نوع من بيوع الدين الممنوعة وقد أسميناه البيع الخفي، لأن البنوك الإسلامية قد وقعت في معاملات تؤول إليه بسبب أعمالها للتنضيض الحكمي في معاملات قائمة على الديون.

وهذه المشكلة تظهر في عمل بعض البنوك الإسلامية، ولكنها أوضح وأبين في الصناديق الاستثمارية والحسابات خارج الميزانية في البنوك التي توجه بجملتها للمرابحات.


(١) القواعد النورانية الفقهية: ص ٢٦٧ – ٢٦٨.
(٢) من ذلك مثلاً كتاب أصدره البنك الإسلامي في ماليزيا يصف فيه طريقة عمله عنوانه Islamic Banking theory and practice- Bank Islam Malysia Berhard – Kuala Lumpur, Malysia ١٩٩٤، وقد ورد فيه في الصفحات ٣٩، ٤٣، ١٠٤، ١٠٩، ١١١ على سبيل المثال لا الحصر وصف لصيغة بيع الدين التي يمارسها البنك. كما ذكرت الطريقة في كتاب آخر عنوانه: Islamic Banking System، لمؤلفه: Sudin Haron, Bala Shanmugan – Kuala Lumpur, pelanduk publications ١٩٩٧. وادعى المؤلف انتشار الطريقة في أكثر من بلد إسلامي في البنوك الإسلامية. ثم ذكرت العملية ووصفت في كتاب أصدرته اللجنة الاستشارية العليا للعمل على استكمال تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية بعنوان: "ملتقى التجربة الماليزية في العمل المصرفي الإسلامي"، وهو محاضر ندوة عقدت في شهر مارس سنة ١٩٩٧م، وقد ورد ذلك في صفحات ٧٥، ١١٠ على سبيل المثال لا الحصر.

<<  <  ج: ص:  >  >>