للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١-٧-٤ بيع الجامكية:

الجامكية مبلغ معلوم تقرره الدولة للرجل عطاء من بيت المال له أجل معين. ولكن ربما احتاج إلى دراهم معجلة قبل أن تخرج الجامكية فيقول له رجل: بعني جامكيتك التي قدرها كذا بكذا؛ أنقص من حقه في الجامكية، فيقول له: بعتك. فالجامكية مبلغ تلزم الدولة به نفسها، فأضحى كالدين في الذمة.

قال ابن عابدين في الدر المختار ببطلان بيع الجامكية (١) ، وعدها صاحب إعلاء السنن من بيع الدين الذي لا يجوز (٢) ، ونقل إبراهيم فاضل الدبو عن حاشية الشبراملسي الشافعي على الرملي في مسألة جواز النزول عن الوظائف بمال وهي مشهورة عن الشافعية فقال: " وفرع على ذلك جواز النزول عن الجوامك بمال أيضًا " (٣) . والذي يظهر أن الجامكية تكون نقودًا بينما أن الصكوك تكون طعامًا.

١-٧-٥ بيع دين المكاتبة:

المكاتب هو العبد الذي تواضع معه سيده على بدل يدفعه العبد نجومًا في مدة معلومة فيعتق إذا أتم دفع ما عليه. ويكون ذلك البدل دينًا في ذمة العبد ويسمى دين المكاتبة. وقد حث الإسلام على المكاتبة. لأنها باب من أبواب إعتاق الرقيق فقال تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: ٣٣] . فلو كاتب الرجل عبده بألف، فهل يجوز له أن يقول لآخر: أعطني المبلغ الفلاني واستقبل ما يدفعه لك العبد؟ جلي أن المشتري لا يدري هل يفي المكاتب بما عليه فيحصل على الدراهم أو لا يحصل عليها فينتهي به ذلك إلى امتلاك العبد، لأن المكاتب إذا انتهت مدة كتابته ولم يفِ بما عليه من دين رد في الرق (٤) .

قال ابن رشد الجد: "حدثني ابن القاسم عن مالك عن ربيعة بن عبد الرحمن أنه كره أن تباع كتابة المكاتب ويقول هو خطار إن عجز كان عبدًا له وإن أدى أربعة آلاف درهم"، وأضاف: " الغرر في هذا بين كما قال: وهو قول عبد العزيز بن سلمة، إلا أن مالكًا وأصحابه أجازوا ذلك استحسانًا واتباعًا على غير قياس وله وجه وهو أن المشتري للكتابة يحل محل سيده الذي كاتبه في الغرر، لأنه إذا كاتبه لا يدري هل يؤدي ما كاتبه عليه أو يعجز فيرجع رقيقًا له وذلك جائز " (٥) .

١-٧-٦ - بيع العبد وفي ذمته دين:

ومن صور البيع التي تحدث عنها الفقهاء ولها صلة ببيع الدين، بيع العبد ذي المال. فقد ورد في الحديث: ((من باع عبدًا وله مال فماله للذي باعه إلا أن يشترطه المبتاع)) (٦) . ومال العبد ربما كان نقودًا أو ديونًا في ذمم الآخرين، فإذا اشترطه المبتاع فهل تجري عليه أحكام ربا الفضل وبيع الدين؟ جمهور الفقهاء على أن ذلك لا يجري على شرط بيع الدين، قال مالك رحمه الله: "الأمر المجتمع عليه عندنا أن المبتاع إذا اشترط مال العبد فهو له نقدًا كان أو دينًا أو عرضًا يعلم أو لا يعلم، وإن كان للعبد من المال أكثر مما اشترى به كان ثمنه نقدًا أو دينًا أو عينًا " (٧) .

وقال ابن قدامة في المغني: "وجملة ذلك أن السيد إذا باع عبده أو جاريته وله مال ملكه إياه مولاه أو خصه به فهو للبائع. . وإن اشترطه المبتاع كان له، للخبر، روى ذلك نافع عن ابن عمر عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وقضى به شريح، وبه قال عطاء وطاوس ومالك والشافعي وإسحاق، قال الخرقي: إذا كان قصده للعبد لا للمال هذا منصوص أحمد وهو قول الشافعي وأبي ثور والبتي. . ومعناه أنه لا يقصد بالبيع شراء مال العبد، وإنما يقصد بقاء المال لعبده وإقراره في يده، فمتى كان ذلك صح اشتراطه ودخل في البيت سواء كان المال معلومًا أو مجهولاً من جنس الثمن أو من غيره عينًا كان أو دينًا وسواء كان مثل الثمن أو أقل أو أكثر، قال البتي: إذا باع عبدًا بألف درهم ومعه ألف درهم فالبيع جائز إذا كانت رغبة المبتاع في العبد لا في الدراهم " (٨) .


(١) الدر المختار لابن عابدين: ٤ / ٥١٧.
(٢) إعلاء السنن: ١٤ / ٢٤٣.
(٣) إبراهيم فاضل الدبو، ضمان المنافع، ص ٤٥٣.
(٤) فقد أخرج مالك في الموطأ، وأبو داود، والترمذي في سننه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المكاتب عبد ما بقي عليه درهم من كتابته) .
(٥) ابن رشد الجد البيان والتحصيل: ١٨ / ٨٣.
(٦) رواه البخاري ومسلم.
(٧) الموطأ: ٢ / ٦١١.
(٨) المغني لابن قدامة: ٤ / ٢٧٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>