للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١-٧-٣ - بيع دين السلم قبل القبض:

جمهور الفقهاء على أن دين السلم لا يجوز بيعه قبل قبضه. وصفة هذا البيع أن يكون لرجل على رجل دين من سلم هو مائة أردب من القمح مثلاً يحل أجل قبضها في شهر محرم. فيقوم هذا الرجل ببيع هذا القمح إلى رجل ثالث بثمن معجل قبل حلول الأجل ويقبض ثمن البيع نقدًا، ثم ينتظر هذا الثالث حتى يحل الأجل فيقبضه من البائع الأول.

هذه هي الصورة التي قال جمهور الفقهاء: إنها لا تجوز. إلا أن المالكية انفردوا بإجازة صور قريبة منها. فلو كان الطعام غير مكيل، قال بعض المالكية بجواز بيع دين السلم عندئذ، قال ابن عبد البر في الكافي: " كل ما اشتريت من العروض كلها: الحيوان والعقار والثياب ما خلال المبيع من الطعام على الكيل فلا بأس عند مالك أن يبيع ذلك كله قبل أن يقبضه" (١) .

وقال في التمهيد: " وما عدا المأكول والمشروب من الثياب والعروض والعقار وكل ما يكال ويوزن أنه لا بأس لمن ابتاعه أن يبيعه قبل قبضه واستيفائه" (٢) .

أما إذا كان المبيع غير طعام، فتحصيل مذهب مالك على جواز البيع قبل القبض في السلم. قال القاضي عبد الوهاب في التلقين: "الأعيان المبيعة ضربان: طعام وغير طعام، والشراب من سائر المبيعات من العروض والعبيد والحيوان والعقار وما ينقل ويحول أو لا ينقل ولا يحول فبيعه جائز قبل قبضه في الجملة" (٣) .

وقال التسولي: " يجوز بيع العروض قبل قبضها كان المعجل فيها عرضًا أيضًا أو دراهم أو حيوانًا أو طعامًا من بيع أو سلم بخلاف الطعام؛ فإنه لا يجوز بيعه قبل قبضه مطلقًا كان من معاوضة أو لا، لأنه قرض فيجوز نقدًا فقط، وظاهره أنه يجوز بيع العرض قبل قبضه لمن هو عليه ولغيره نقدًا وإلى أجل قبل حلوله وبعده "، وجاء في حاشية المواق على كتاب مواهب الجليل شرح مختصر خليل للحطاب: " قال مالك: كل ما ابتعته أو أسلمت فيه عدا الطعام والشراب من سائر العروض على عدد أو كيل أو وزن؛ فجائز بيع ذلك كله قبل قبضه وقبل أجله من غير بائعك بمثل رأس المال أو أقل أو أكثر نقدًا أو بما شئت من الأثمان إلا أن تبيعه بمثل صنفه فلا خير فيه يريد أقل أو أكثر. . . " (٤) .

وذكر ابن تيمية في الفتاوى: "وأما ما ذكره الشيخ أبو محمد في مغنيه لما ذكر قول الخرقي: بيع المسلم فيه من بائعه أو غيره قبل قبضه فاسد، قال أبو محمد: بيع المسلم فيه قبل قبضه لا نعلم في تحريمه خلافًا، فقال رحمه الله بحسب ما علمه وإلا مذهب مالك أنه يجوز بيعه من غير المستسلف كما يجوز عنده بيع سائر الديون من غير من هو عليه، وهذه أيضًا إحدى الروايتين عن أحمد " (٥) .

وقال المرداوي في الإنصاف: "قوله: " ولا يجوز بيع المسلم فيه قبل قبضه " هذا المذهب وعليه الأصحاب وقطع به أكثرهم، وفي المبتهج وغيره رواية بأن بيعه يصح واختاره الشيخ تقي الدين، رحمه الله، وقال: هو قول ابن عباس، رضي الله عنهما، لكن يكون بقدر القيمة فقط لئلا يربح فيما لم يضمنه قال: وكذا ذكره الإمام أحمد في بدل القروض وغيره" (٦) .


(١) الكافي لابن عبد البر، ص ٣١٩.
(٢) التمهيد لابن عبد البر: ١٣ / ٣٢٧.
(٣) التلقين للقاضي عبد الوهاب: ٢ / ٣٧٠ – ٣٧١.
(٤) حاشية المواق على كتاب مواهب الجليل شرح مختصر خليل للحطاب.
(٥) الفتاوى لابن تيمية: ٢٩ / ٥٠٦.
(٦) الإنصاف للمرداوي: ٥ / ٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>