للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١-٧-٢ - بيع الصكوك:

جاء في مسند أحمد عن سليمان بن يسار أن صكاك التجار خرجت في زمن مروان بن الحكم فاستأذن التجار مروان في بيعها، فإذا لهم، فدخل أبو هريرة – رضي الله عنه – عليه، فقال له: " أذنت في بيع الربا وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشترى الطعام ثم يباع حتى يستوفى ". قال سليمان: فرأيت مروان بعث الحرس فجعلوا ينتزعون الصكاك من أيدي من لا يتحرج منهم، وجاء في الموطأ: أن مالكا بلغه أن صكوكا خرجت للناس في زمان مروان بن الحكم من طعام الجار، فتبايع الناس تلك الصكوك بينهم قبل أن يستوفوها، فدخل زيد بن ثابت ورجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على مروان بن الحكم، فقالا: أتحل بيع الربا يا مروان، قال: أعوذ بالله، وما ذاك؟ فقالا: هذه الصكوك تبايعها الناس ثم باعوها قبل أن يستوفوها؛ فبعث مروان الحرس ينزعونها من أيدي الناس ويردونها إلى أهلها ".

والصكوك: جمع صك وهي التواقيع السلطانية بالأرزاق؛ أي هو الورقة المكتوبة بدين والمراد هنا الورقة التي تخرج من ذوي الأمر برزق من الطعام لمستحقيه، كأن يكتب فيها لفلان كذا من الطعام. فالنهي عن بيع الصكاك الذي ورد في الآثار المذكورة أعلاه إنما هو واقع على البيع الثاني لأن الذي خرج له الصك مالك ملكًا مستقرًا، وليس هو بمشتر بل موهوب فلا يمتنع عليه البيع قبل القبض، لأن النهي إنما جاء في منع بيع الطعام قبل القبض إذا كان ملكه بالشراء. كما لا يمتنع بيع ما ورثه قبل قبضه، وقول أبي هريرة في الحديث محمول على ذلك، لأن الأول وصل إليه الرزق على جهة العطاء لا المعوضة، ودليل ذلك ما ذكره مالك في الموطأ، إذ قال: " إن مروان بعث الحرس لينزعوا الصكوك من أيدي الناس، ثم قال ويردونها إلى من ابتاعها " (١) .

ونقل صاحب إعلاء السنن عن النووي قوله: " والأصح عندنا جواز بيعها وهو قول مالك " (٢) . ولفظ صاحب الموطأ يفيد بجواز بيع الصك والذي أنكروه إنما هو بيع مشتري الصك ما فيه قبل أن يستوفيه وهو طعام ولا خلاف في أن الطعام لا يجوز بيعه قبل القبض.

والصكوك التي تحدث عنها الفقهاء إنما هي صكوك أعطيات الخلفاء إلي الناس، فهي مختلفة عن بيع الدين بصوره المعاصرة من عدة وجوه، منها أن دينها طعام وليس نقودًا، ثم ثانيا أنها مأمونة لأن بيت المال مليء، وهو مظنة الوفاء فلا يكون فيها غرر عدم القدرة على التسليم، ثم ثالثًا أنها على سبيل الهبة لا المعاوضة، ومن هذا الباب قال جمهور الفقهاء: بجواز بيع صاحبها الأول لها.

أما بيعها من قبل المشتري لتلك الصكوك إلى مشتر آخر فلا تجوز إلا بعد القبض، لأنه يكون من بيع الطعام يستوفى. وقال المرداوي في الإنصاف: " لا يجوز بيع العطاء قبل قبضة، لأنه غرر ومجهول ولا بيع رقعة به وعنه يبيعها بعوض مقبوض " (٣) .


(١) القرطبي، المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم: ٤ / ٣٨٠.
(٢) إعلاء السنن: ١٤ / ١٤٢.
(٣) الإنصاف للمرداوي: ٤ / ٢٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>