للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلا أن التطبيقات المعاصرة تتضمن دخول شركاء جدد يدفعون اليوم مبلغًا يقل عن الدين الذي يحل أجله بعد زمن. ومن ثم لم تعد قسمة بين الشركاء فحسب بل بيعًا محضًا، لأن دخول أطراف جديدة لا يخرج عن ذلك. فالإشكال هنا أن القسمة تكون إفرازًا في الأعيان، أما في الديون فإنها لا تكون إفرازًا إلا عند حلول الأجل وقبض الدين، أما قبل ذلك فإن القسمة إذا وقعت فهي بيع. أما دخول شركاء جدد والدين قائم فلا وجه له.

١-٨-٣ – علاقة مسألتنا هذه بالتنضيض الحكمي:

لا يعرف الربح في المضاربة إلا بعد سلامة رأس المال، ولا تعرف سلامة رأس المال إلا بالتنضيض، وتحول الأصول المملوكة للشركة من عروض وديون إلى نقود ثم تقع القسمة. هذا هو الأصل في عقد المضاربة. إلا أن عمل البنوك الإسلامية قائم على أساس النشاط المستمر (going concern) فالبنك يدخل في عقود بصفة مستمرة مع مصادر الأموال (أرباب المال في المضاربة) ومستخدمي الأموال (الذين يستفيدون من عمليات التمويل) ، وهي عمليات ذات مدد متعددة ومتنوعة. فلا يتصور أن تنض جميعًا في وقت واحد إلا عند تصفية عمل البنك برمته وهذا لا يقع في ظل الأنظمة المعاصرة.

ولذلك جاء التنضيض الحكمي بديلاً عن التصفية الحقيقية للأصول والديون. والتنضيض الحكمي من الاجتهادات المعاصرة التي كان لها أثر هام في نجاح عمل البنوك الإسلامية. وقد اتجه النظر الفقهي المعاصر إلى إعطاء التنضيض الحكمي المعتمد على الدفاتر والسجلات حكم التنضيض الحقيقي. جاء في فتاوى ندوة البركة الثامنة للاقتصاد الإسلامي المنعقدة في جدة ٨ /٩/١٤١٣ هـ ما يلي:

"١- للتنضيض الحكمي بطريقة التقويم في الفترات الدورية خلال مدة عقد المضاربة حكم التنضيض الفعلي لمال المضاربة شريطة أن يتم التقويم وفقًا للمعايير المحاسبية المتاحة.

٢- يجوز شرعًا توزيع الأرباح التي يظهرها التقويم كما يجوز تحديد أسعار تداول الوحدات بناء على هذا التقويم ".

لكن المشكلة أن المعايير المحاسبية لا تقتصر على تقويم العروض والأصول الحقيقية، بل يتوصل من خلالها لتقويم الديون بناء على سعر الحسم المعتمد في المعاملات الربوية. فإذا كانت الأصول في جملتها ديونًا تولدت عن عمليات المرابحة أصبح التنضيض الحكمي وسيلة تؤدي إلى بيع الدين بطريقة لا تختلف عن حسم الكمبيالات، أي بيع الدين النقدي إلى غير من هو عليه قبل أجله بقيمة نقدية تقل عن قيمته الاسمية، وكل ذلك ممنوع.

١ – ٩ البديل المشروع لبيع الدين:

صفة بيع الدين التي عمت بها البلوى في زماننا الحاضر هي بيع الدين بالعين، أي بيع دين نقدي ثابت في ذمة مدين قبل أجله بثمن نقدي غير مؤجل يقل عن مبلغ الدين، وهذا البيع غير جائز لأنه صرف مؤجل وهو ممنوع. لكن الأغراض التي من أجلها يبيع الناس ديونهم هي أغراض حسنة، ولها قدر كبير من الوجاهة في عالم المال والأعمال وبخاصة في ظل عمل الأسواق الذي تشتد فيه المنافسة ويقع الملتزمون بأحكام الشريعة فيه ضحية التجار الذين لا يأبهون بحرمة الربا.

فهل من سبيل إلى الوصول للغرض ضمن نطاق المباح؟ الجواب عن ذلك أن الشريعة ما أغلقت بابًا للحرام إلا وفتحت أبوابًا للمباح والحلال. ولذلك فإن في أحكام الشريعة ما يمكن معه تنضيض الأصول التي تكون على صفة ديون للأغراض التي ذكرنا في مكان آخر من هذا البحث، ويمكن أن يتم ذلك بالحوالة أو ببيع الدين بالعرض. فالدائن إذا أراد أن يستعجل دينه قبل أجله يمكن له أن يشتري عرضًا من بائع (غير المدين) بالأجل ثم يحيله بالثمن على ذلك المدين.

<<  <  ج: ص:  >  >>