للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن حزم في المحلى: "ولا يحل بيع دين يكون لإنسان على غيره لا بنقد ولا بدين ولا بعين ولا بعرض كان ببينة أو مقرًّا به أو لم يكن كل ذلك باطل، ووجه العلم في ذلك لمن أراد الحلال أن يبتاع في ذمته ممن شاء ما شاء مما يجوز بيعه، ثم إذا تم البيع بالتفرق أو التخير ثم يحيله بالثمن على الذي له عنده الدين فهذا حسن " (١) . فالحوالة طريق مشروع لمعالجة المشكلة المذكورة. كما يمكن بيع الدين النقدي بالعرض.

قال ابن رجب في القواعد الفقهية: "ونقل حرب عن أحمد في بيع الزيادة في العطاء لا بأس به بعرض قال: وسألته عن بيع الصك بعرض، قال: لا بأس به "، ثم قال: " المسألة الثانية بيع الصكاك قبل قبضها وهي الديون الثابتة على الناس وتسمى صكاكًا لأنها تكتب في صكاك وهي ما يكتب فيه من الرق ونحوه فيباع ما في الصك، فإن كان الدين نقدًا وبيع بنقد لم يجز بلا خلاف، لأنه صرف بنسيئة وإن بيع بعرض وقبضه في المجلس ففيه روايتان إحداهما لا يجوز. قال أحمد في رواية ابن منصور في بيع الصك: هو غرر، ونقل أبو طالب عنه أنه كرهه، وقال: الصك لا يدري أيخرج أو لا، وهذا يدل على أن مراده الصك من الديون. الثانية الجواز نص عليه في رواية حرب وحنبل ومحمد بن الحكم وفرق بينه وبين العطاء، وقال الصك إنما يحتال على رجل وهو يقر بدينه عليه، والعطاء إنما هو شيء مغيب لا يدري أيصل إليه أملا، وكذلك نقل حنبل عنه في الرجل يشتري الصك على الرجل بالدين قال: لا بأس به العرض إذا خرج ولا يبيعه حتى يقبضه، يعني مشتريه" (٢) .

ولا يختلف عن ذلك بيع الدين إلى طرف آخر غير المدين بسلعة أو عرض من العروض أو منفعة.

وقد ذكر الضرير في كتابه (الغرر وأثره في العقود) : "إذا بيع الدين قبل أجله بسلعة أو منافع معينة كان ذلك جائزًا. . . كما لو كان لرجل على آخر دين فباعه لثالث بسيارة يسلمها له بعد شهر مثلاً فإن هذا البيع جائز " (٣) ، وذكر فضيلته رأيه في جواز بيع جميع الأوراق المالية كالكمبيالات وما شابهها فقال: "فلصاحب الكمبيالة التي لم يحل أجلها أن يبيعها بغير النقود ولا يصح أن يبيعها بنقود أقل من قيمتها" (٤) ، ومن المعلوم أن الأسهم تعد في ظل الفتاوى المعاصرة من الأصول الحقيقية كالعروض، إذا أن السهم يمثل حصة شائعة في موجودات الشركة.

وقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي في دورة مؤتمره السابعة سنة ١٤١٢هـ: "إن المحل المتعاقد عليه في بيع السهم هو الحصة الشائعة من أصول الشركة وشهادة السهم عبارة عن وثيقة للحق في تلك الحصة".

فإذا كانت هذه الموجودات من المعدات والعقار وما شابه جاز أن تكون مما يباع بالأجل.

جاء في فتاوى ندوة البركة الثامنة: "يجوز شراء الأسهم وبيعها بالمرابحة المؤجلة الثمن بشروطها الشرعية مثل تملك البائع والقبض بحسبه وبيان رأس المال والربح" (٥) . وعلى ذلك يمكن القول: إن بيع الدين الثابت في ذمة مدين قبل أجله من قبل الدائن إلى طرف ثالث بالأسهم لا يعد من البيوع الممنوعة، بل هو ضمن الصيغة الجائزة لبيع الدين. ولما كانت الأسهم من الأصول التي تتوفر عليها السيولة أضحى بإمكان الدائنين الوصول إلى أغراضهم في (تسييل) الديون ضمن نطاق المباح.

* * *


(١) المحلى، تحقيق أحمد شاكر: ٩ /٦، طبعة دار التراث.
(٢) القواعد للحافظ ابن رجب الحنبلي، توزيع دار الباز: ٨٤ / ٨٥ القاعدة ٥٢.
(٣) الضرير، الغرر وأثره في العقود، ص ٣٣١.
(٤) الضرير، الغرر وأثره في العقود، ص ٣٣٦.
(٥) فتاوى ندوة البركة، مجموعة دلة البركة، ص ١٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>