للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويرى الشيخ علي الخفيف – رحمه الله – أن شرط الحيازة لا يحول دون اعتبار المنافع أموالاً حيث يعتبر الشافعية والمالكية والحنابلة المنافع أموالاً، وذلك لأن الإحراز ليس بلازم، بل يكفي أن يحاز الأصل الذي تتولد عنه المنفعة المقصودة (١) .

وقد أخذ القانون المدني الأردني المستمد من أحكام الفقه الإسلامي بمختلف مذاهبه بهذا المفهوم الواسع للمال حيث عرف المال بأنه: كل عين أو حق له قيمة مالية في التعامل (المادة رقم ٥٣) وبذلك يعتبر مالاً كل ما كانت له قيمة مادية في تعامل الناس سواء كان من الأعيان أم من الحقوق المالية كالديون. وفصلت المادة (٥٤) من القانون المدني الأردني لك الأمر بالقول: إن كل شيء يمكن حيازته ماديًّا أو معنويًّا والانتفاع به انتفاعًا مشروعًا ولا يخرج عن التعامل بطبيعته أو بحكم القانون يصح أن يكون محلاً للحقوق المالية.

وبناءً على ذلك فإن الديون بأنواعها – سواء كانت ديونًا تتضمن تعهدًا بأداء مبلغ معين من النقود في تاريخ محدد أو تسليم كمية من الحبوب معينة الوصف والقدر – فإن هذه الديون جميعًا تصلح أن تكون محلاً للتصرف فيها.

وقد مرَّ آنفًا ما نقلناه عن الأستاذ الشيخ مصطفى الزرقا من ناحية ما يقرره الفقه الحنفي في جواز هبة الدين للمدين رغم أن الهبة تمليك، وكذلك اعتبار الدين المشترك من قبيل شركة الملك.

وبذلك فإنه تكاد تتلاشى الأهمية النسبية للتفريق بين الرأي الحنفي وغيره من المذاهب الفقهية حيث تصبح الديون في النتيجة كأنها أموال وهي تعامل على هذا الأساس.

فهل يصح بيع هذه الأموال وهي ديون في الذمة؟

للجواب على ذلك فإنه يحسن التفريق بين حالتين هما:

١- بيع الدين لمن هو عليه الدين أي للمدين.

٢- بيع الدين لغير من هو عليه.

الفرع الأول – بيع الدين لمن هو عليه:

يتفق الفقه الإسلامي عمومًا على جواز بيع الدين ممن هو عليه وهبته والمصالحة عليه بالأقل.

يقول الأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي بأن جمهور الفقهاء أئمة المذاهب الأربعة أجازوا بيع الدين لمن هوعليه الدين وكذلك هبته له؛ لأن المانع من صحة بيع الدين هو العجز عن التسليم، وليست هنا حاجة إليه حيث إن ما في ذمة المدين مسلم إليه من الأساس (٢) . ولم يخرج عن هذا المنهج المنطقي عدا ابن حزم حيث منع ذلك لأنه بيع مجهول، وأنه بيع ما لا يدري عينه وأنه من باب أكل المال بالباطل (٣) .


(١) انظر: علي الخفيف، أحكم المعاملات الشرعية، البحرين، بنك البركة الإسلامي، ص ٢٢٦.
(٢) انظر: وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته: ٤ / ٤٣٣، دمشق، دار الفكر.
(٣) انظر: ابن حزم، المحلى، ٨ / ٥٠٤، بيروت، دار الفكر.

<<  <  ج: ص:  >  >>