للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستطرد صاحب المهذب في تفصيل المسألة عندما يكون المبيع ثمنًا حيث طبق عليه قواعد الصرف مستدلاً في ذلك بحديث عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – حيث نقله بلفظ: كنت أبيع الإبل بالبقيع بالدنانير فآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم فآخذ الدنانير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا بأس ما لم تتفرقا وبينكما شيء)) ، وروى المزني في جامعه الكبير أنه لا يجوز لأن الملك غير مستقر (١) .

وقد بين الإمام محيي الدين بين شرف النووي موضوع بيع الدين لغير من هو عليه نقلاً عن الإمام الرافعي، فأوضح أن بيع الدين لغير من هو عليه مقصود به المغايرة في البدل، مثل من له على رجل مائة فاشترى من آخر عبدًا بتلك المائة، حيث قال: إن في صحة ذلك قولين (٢) .

ويستدل من هذه النقول بكل وضوح أن الشافعية في مسألة بيع الدين لغير من هو عليه الدين لا يختلفون عن المالكية من ناحية الحرص على عدم الوقوع في الربا، وذلك بدليل التصريح بالمغايرة في البيع إما صرفًا كالذهب بالفضة أو الفضة بالذهب – كما في حديث عبد الله بن عمر السابق بيانه – أو بيعًا في مبادلة العبد بالمائة كما في كتاب المجموع. وإن هذا الاستدلال مؤيد بالشروح الوافية في أكثر من مؤلف من مؤلفات الفقه الشافعي.

يقول الإمام النووي في كتاب روضة الطالبين وعمدة المفتين: إنه إذا باع الرجل مالاً بمال فله حالان:

أحدهما: أن لا يكونا ربويين.

والثاني: أن يكونا.

" فالحال الأول: يشمل ما إذا لم يكن فيهما ربوي وما إذا كان أحدهما ربويًّا، وعلى التقديرين في هذا الحال لا تجب رعاية التماثل ولا الحلول ولا التقابض في المجلس سواء اتفق الجنس أو اختلف حتى لو باع حيوانًا بحيوانين من جنسه أو أسلم ثوبًا في ثوبين من جنسه جاز.

وأما الحال الثاني: فتارة يكونان ربويين بعلتين (الثمنية والطعم) ، وتارة بعلة (الثمنية مثلاً أو الطعم) فإن كانا بعلتين مثل أن يسلم أحد النقدين في الحنطة أو يبيع الحنطة بالذهب أو بالفضة، نقدًا أو نسيئة، فإن ذلك يجوز حيث لا تشترط المماثلة ولا التقابض ولا الحلول.

وإن كانا بعلة واحدة، فإن اتحد الجنس بأن باع الذهب بالذهب والحنطة بالحنطة، ثبتت أحكام الربا الثلاثة فتجب رعاية التماثل والحلول والتقابض في المجلس.

وإن اختلف الجنس، كالحنطة بالشعير والذهب بالفضة لم تعتبر المماثلة، ويعتبر الحلول والتقابض في المجلس" (٣) .

وإن هذا الكلام الذي يورده الإمام النووي واضح تمامًا في تطبيق أحكام الصرف حيثما توافرت علة الربا.

كما يفصل الإمام الماوردي المسألة بنفس المفهوم عن الصرف حيث يقول بأن الصرف إنما يختص ببيع الذهب بالفضة أو الفضة بالفضة والذهب بالذهب، وشروط الصرف التي لا يتم إلا بها ثلاثة لازمة ورابع يختلف باختلاف الصرف.


(١) انظر: محمد بن علي الفيروز آبادي الشيرازي، المهذب في فقه الإمام الشافعي: ١ / ٢٦٢ – ٢٦٣، جاكارتا، شركة نور الثقافة الإسلامية، ص ٢٦٢ – ٢٦٣.
(٢) انظر: محيي الدين بن شرف النووي؛ كتاب المجموع شرح المذهب، تحقيق محمد نجيب المطيعي: ٩ / ٣٣٢، جدة، مكتبة الإرشاد.
(٣) انظر: النووي، روضة الطالبين: ٣ / ٣٨٠، الطبعة الثالثة، دمشق، المكتب الإسلامي، ١٩٩١م.

<<  <  ج: ص:  >  >>