للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويستطرد فضيلته بالقول: " إن بيع الدين قد تدعو الحاجة إليه وفيه مصلحة ظاهرة للمتعاقدين فلا يصح التضييق عليهم بمنعه"، وينتهي من ذلك إلى القول بأن دعوى الإجماع على منع الدين بالدين ليست مسلمة، بدليل ما جوزه بعض المالكية في بعض صوره إلى أن يقول فضيلته: " ولعل الصورة المجمع على منعها في بيع الدين بالدين هي ما كان فيه الدين من الأموال الربوية " (١) .

وأما بالنسبة للمذهب الشافعي فقد عرض الأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي للمسألة في كتابه الجامع عن الفقه الإسلامي وأدلته حيث بين أن الشافعية يجوزون في الأظهر عندهم بيع الدين المستقر للمدين ولغير المدين قبل القبض (٢) . وكان المأمول أن يفصل فضيلة الأستاذ وهبة هذا النقل الموجز بمثل ما فعلت الموسوعة الفقهية الكويتية على الأقل.

فقد بينت الموسوعة أنه كما يشترط التقابض في المجلس في بيع الدين للمدين إذا كان بما لا يباع به نسيئة – كالربويات ببعضها – فإنه يشترط كذلك في بيع الدين لغير من هو عليه (٣) أي أن الموسوعة ترى أن الشافعية يطبقون على بيع الدين لغير من هو عليه أحكام التعامل بالأصناف الربوية، فالنقود ببعضها يشترط فيها التماثل عند اتحاد الجنس مع التقابض الفوري، أو التقابض الفوري دون مماثلة عند اختلاف الجنسين.

وإن هذا الرأي الذي تنقله الموسوعة الفقهية عن الشافعية هو ما يؤيده واقع القول في أمهات كتب الفقه الشافعي، وهو الأمر الذي كان يحتاج إلى التوضيح والبيان منعًا للالتباس ودفعًا للإيهام.

فقد أورد أبو إسحاق الفيروزآبادي الشيرازي في كتابه المهذب في فقه الإمام الشافعي هذه المسائل المتعلقة ببيع الديون وفصلها بقوله – رحمه الله تعالى كما يلي:

" ولا يجوز بيع ما لم يستقر ملكه كبيع الأعيان المملوكة بالبيع والإجارة والصداق وما أشبهها من المعوضات قبل القبض. . . وأما الديون فينظر فيها، فإن كان الملك عليها مستقرًا كغرامة المتلف وبدل القرض جاز بيعه ممن عليه قبل القبض؛ لأن ملكه مستقر عليه فجاز بيعه كالمبيع بعد القبض، وهل يجوز من غيره فيه وجهان:

أحدهما: يجوز لأن ما جاز بيعه ممن هو عليه جاز بيعه من غيره كالوديعة.

الثاني: لا يجوز لأنه لا يقدر على تسلميه، لأنه ربما منعه أو جحده وذلك غرر لا حاجة به إليه فلم يجز.

والأول أظهر؛ لأن الظاهر أنه يقدر على تسليمه إليه من غير منع ولا جحود (٤) . أما إذا كان الدين غير مستقر كالسلم مثلاً؛ فإنه لا يجوز بيعه " (٥) .


(١) انظر: الصديق محمد الأمين الضرير، الغرر وأثره في العقود، ص ٣٣٥.
(٢) انظر: وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته: ٤ / ٤٣٤؛ مرجع سابق.
(٣) انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية؛ المرجع السابق، ص ١٣٢.
(٤) انظر: محمد بن علي الفيروز آبادي الشيرازي، المهذب في فقه الإمام الشافعي: ١ / ٢٦٢ – ٢٦٣، جاكارتا، شركة نور الثقافة الإسلامية، ص ٢٦٢ – ٢٦٣.
(٥) انظر: محمد بن علي الفيروز آبادي الشيرازي، المهذب في فقه الإمام الشافعي: ١ / ٢٦٢ – ٢٦٣، جاكارتا، شركة نور الثقافة الإسلامية، ص ٢٦٢ – ٢٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>