للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما الظاهرية: فقولهم معروف حيث إنهم لم يجيزوا بيع الدين للمدين من الأساس لأنه بيع مجهول، وأنه بيع ما لا يدري عينه، وأنه من باب أكل المال بالباطل – كما سبق بيان ذلك.

وأما الحنفية: فإنهم يرون هذا البيع أنه بيع لا قدرة فيه على التسليم إذ المال عندهم وهو دين إنما هو مال حكمي في الذمة، وأنه ليس في مقدور البائع أن يسلم ما لا يملكه. فإذا شرط التسليم على المدين فإن البيع يفسد من جهة الشرط، وذلك لأن البائع يشترط على غيره (١) .

كما فصل الأستاذ العلامة الصديق محمد الأمين الضرير الرأي المالكي في جواز بيع الدين لغير من هو عليه بشكل جلي وواضح. فقد بيَّن فضيلته أن المالكية قد وضعوا لهذا البيع شروطًا تباعد بينه وبين الغرر وأي محظور آخر ممنوع في الشرع، وقد ذكر من هذه الشروط ما يلي:

١- أن يكون المدين حاضرًا في البلد، ليعلم حاله من فقر أو غنى؛ لأن عوض الدين يختلف باختلاف حال المدين.

٢- أن يكون المدين مقرًّا بالدين، فإن كان المدين ميتًا أو غائبًا عن البلد أو حاضرًا في البلد ولكنه لم يقر بالدين، فلا يجوز بيع دينه ولو ثبت ذلك الدين بالبينة حسمًا للنزاعات.

٣- أن يكون المدين ممن تأخذه الأحكام، وذلك حتى يمكن تخليص الدين منه إذا امتنع.

ثم أورد فضيلة العلامة الشيخ الصديق في حاشية نفس الصفحة باقي الشروط في بيع الدين لغير من هو عليه وهي الشروط الأهم والأدق، ولاسيما الأول منها حيث أضاف ما يلي: (٢)

٤- أن يباع الدين بغير جنسه، أو بجنسه بشرط المماثلة (إذا كان من جنسه) .

٥- ألا يكون ذهبًا بفضة، أو فضة بذهب.

٦- ألا يكون بين المشتري والمدين عداوة.

٧- أن يكون الدين مما يجوز بيعه قبل القبض.

وينتهي العلامة الشيخ من ذلك كله إلى جواز بيع الدين مطلقًا سواء كان البيع للمدين أم لغير من هو عليه بنقد أو بدين ما دام البيع خاليًا من الربا (٣) . وهو يعلل لذلك أنه لم يرد نص يعتمد عليه في منع أية صورة من هذه الصور، وأن دعوى عدم القدرة على التسليم (التي يقول بها الفقه الحنفي) – غير مسلمة بسبب أن الكلام هو في دين معترف به.


(١) انظر: السيد سابق، فقه السنة: ١٣ / ٦٣، جدة ١٩٨٤ م.
(٢) انظر: الصديق محمد الأمين الضرير، الغرر وأثره في العقود، البحرين، بنك البركة الإسلامي، ١٩٨٤م، ص ٣٣٤.
(٣) انظر: الصديق محمد الأمين الضرير، الغرر وأثره في العقود، البحرين، بنك البركة الإسلامي، ١٩٨٤م، ص ٣٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>