فلو أن المطار الذي يهبط فيه الحجاج والمعتمرون نقل فيما بعد إلى مكة لأصبح القادمون جوا كأهل مكة، فيحرمون من حيث يحرم المكيون، أي أن القادم بالطائرة بوجه عام، من أي جهة كان قدومه، متى هبطت طائرته في آخر مكان لكي يتابع بعده السير بالطريق البري، يأخذ عندئذ حكم أهل ذلك المكان بشأن الإحرام.
أما القول بأن عليه أن يحرم وهو في الطائرة في الجو متى مرت الطائرة بأحد المواقيت أو حاذته، فهذا لا أرى دليلا شرعيًا يوجبه، وهو مبني على تصور أن القدوم جوًا بالطائرة مشمول بالحديث النبوي الذي حدد المواقيت الأرضية. وهذا في نظري رأي غير سليم في فهم النصوص فهما فقهيا كما سبق إيضاحه، علاوة على ما فيه من حرج شديد وصعوبة قد تصل إلى حد التعذر، بالنظر إلى حال الطائرات العامة، ولاسيما الدرجة السياحية فيها (وهي التي تأخذها الجماهير) ، وضيق مقاعدها لاعتبارات تجارية، حتى إن الراكب ينزل في مقعده كما ينزل الإسفين في الخشب، ويعسر عليه التحرك في تناول وجبة الطعام، فضلاً عن أن يخلع ملابسه المخيطة ويرتدى الرداء والإزار، وأين في الطائرة مغتسل ومصلى ليقيم سنة الإحرام؟
وأغرب من ذلك قول من يقول: إن هذا الحرج يمكن دفعه بأن يحرم بملابسه في الطائرة، ثم يخلعها بعد الهبوط ويفدي بدم جزاء، فمتى كانت هذه الشريعة الحكيمة السمحة تكلف أحدًا بما يشبه المستحيل لتعسره أو تعذره، على أن يخالفه المكلف ويتحمل بدلا منه جزاء مكلفًا؟ إن الشريعة الحكيمة براء من مثل هذا التكليف.