وبما أن بيع الديون في الأوراق التجارية التي مرت معنا في الأدوات المستحدثة بالاسم الإسلامي تحت مسمى الكمبيالات الإسلامية المقبولة (Islamic Accepted Bills) هي دين محرر بالنقد الوطني (للكمبيالات المحلية) ، أو دين محرر بالنقد الأجنبي كالدولار (للكمبيالات الخارجية في حالة الصادرات) ، فإن بيع هذه الكمبيالات داخل في الربا الحرام؛ لأنه نقد بنقد مع التفاضل وغياب التقابض بين البدلين. ولا تصح المعاملة إلا بتطبيق قواعد الصرف مثلاً بمثل مع التقابض الفوري (عند اتحاد الجنس) ، أو التقابض الفوري عند اختلاف الجنس.
وإن هذا البيع للكمبيالة المقبولة – وإن أطلق عليها الوصف الإسلامي – هو في الواقع نوع من أنواع خصم الأوراق التجارية حيث يتعجل البنك (البائع) قبض قيمة الكمبيالة بما هو أقل منها، وذلك بطريق البيع إلى جهة أخرى غير المدين.
وفي هذه الحالة فإن المشتري للكمبيالة المقبولة بدفع القيمة الأقل (٩٥٠ – دولار مثلاً) ليأخذ الكمبيالة بقيمتها الاسمية (١٠٠٠ دولار) ، ويحصلها من المدين عند الاستحقاق بهذه القيمة.
وبذلك، فإن المعاملة بهذه الصورة لا تخرج عن نطاق خصم الكمبيالات، وهي الصورة التي تتعامل بها البنوك الربوية في كل مكان في العالم. وإن خصم الأوراق التجارية بمعنى الخصم غير جائز شرعًا حسبما قرره مجلس مجمع الفقه الإسلامي في دورة مؤتمره السابع المنعقد في جدة بالمملكة العربية السعودية بتاريخ ٤ – ٩ مايو ١٩٩٣م، ولا عبرة لما يقال في الكمبيالة الإسلامية المقبولة بأن أصل الدين هو بيع حلال حيث المنظور في ذلك هو واقع الحال من حيث محل البيع، فالدولار إذا بيع بالدولار زيادة ونقصانًا فهذا هو الربا الحرام.
وعلى ذلك يمكن قياس سائر الأدوات الأخرى والتي يطلق عليها في جنوب شرق آسيا الأدوات الإسلامية للديون، حيث إن الديون هناك هي ديون بالنقود وليست بالأعيان أو السلع، وإن مذهب الإمام الشافعي – رحمه الله – براء مما يقال عنه بإجازة بيع الدين لغير من هو عليه إذا كان هذا الدين المباع نقودًا بنقود. ذلك أن مذهب الإمام الشافعي لا يختلف عن سائر المذاهب الفقهية من ناحية تطبيق قواعد الصرف على مبادلة النقود بالنقود مهما كان السبب المنشئ للدين من الأساس.
* * *
وإننا إذ نقفل هذا الباب وما به من شر مستطير، فإننا نتجه في القسم الثاني نحو البدائل الشرعية ل سندات القرض في مجالي القطاع العام والخاص، لنرى اتساع أبواب الحلال في مقابل هذا الضيق والتضييق عند المداخل الحرام.