خاتمة البحث
ونقف الآن مع نهاية هذا المسار العلمي لكي نلخص أهم النتائج التي توصل إليها البحث في هذه الجولة الثرية مع أقوال العلماء في كل مجال لتقرير ما يلي:
أولاً: إن الديون تعتبر في نظر الفقه الإسلامي أموالاً وهي تثبت في الذمة بوصفها وفقًا للمال الذي تمثله.
ثانيًا: إن القرض صورة من صور الدين وهو يأخذ حكمه بحسب نوعه، فالقرض النقدي تجري معاملته كالنقود والقرض من الطعام كالقمح مثلاً يتم التعامل به كالقمح في الأحكام.
ثالثًا: إن البيع الذي هو مبادلة مال بمال يقتضي المغايرة بين البدلين، ليكون هناك ثمن ومثمن، أما إذا لم تكن هناك مغايرة بين البدلين فإن البيع يأخذ حكم الواقع. فإذا كانت المبايعة نقودًا بنقود فإنها تأخذ حكم الصرف بحسب شروطه، أما إذا كانت سلعًا فإنها تعامل حسب توافر علة الربا – في البدلين.
رابعًا: إن الديون تقبل البيع للمدين وغير المدين بحسب حكم محلها، فالديون من النقود إذا كانت حالة تباع بمثلها وفق شروط الصرف مثلاً بمثل ويدًا بيد كما تباع بغيرها من النقود بشروط الصرف كذلك بحسب سعر السوق يوم التعامل بشرط فورية التبادل يدًا بيد. أما إذا لم تكن الديون حالة الأجل، فإنها لا تصلح للمصارفة حيث تشترط الفورية في التقابض ما لم تكن مصالحة بين الدائن والمدين لا غير.
خامسًا: إن المسميات الإسلامية الدارجة حديثا في بعض بلاد جنوب مشرق آسيا، مثل الكمبيالات المقبولة الإسلامية لا تقدم جديدا يختلف عن كمبيالات القبول التجارية المعروفة وطالما أن لها قيمة محددة بالنقود، فإن بيعها بالنقود من جنسها يكون ربا إلا إذا تساوى البدلان وجرى التقابض الفوري بين الثمن المدفوع والدين الحال. وبناء على ذلك فإن هذه البيوع الجارية للديون التي تمثلها هذه الكمبيالات بنقود أقل وأكثر هي بيوع مخالفة للشريعة الإسلامية.
سادسًا: إن أدوات الديون الإسلامية والتي لا تحمل فائدة ولكنها تقدم فائدة عند الاستحقاق بشكل متعارف عليه تعتبر من الأدوات الربوية؛ لأن القاعدة الفقهية تقرر أن المعروف عرفًا كالمشروط شرطًا.
سابعًا: إن سندات الدين العام وما يماثلها من أدوات مما يعطي عائدًا دون أن تمثل موجودات قائمة في استثمار مخصص يحدد مجالات استعمال هذا الأموال تعتبر ديونًا، ويكون كل ما يدفع في مقابل هذه السندات من فوائد وجوائز وعوائد هو من الربا الحرام.
ثامنًا: إن البدائل الشرعية المتمثلة في سندات المقارضة وسندات المشاركة والإيجار والسندات التمويلية كلها وسائل مناسبة لتعميم أساليب التمويل الإسلامي، سواء على مستوى القطاع العام أم على مستوى القطاع الخاص. وإن المطلوب من جهات التقنيين أن تضع الأنظمة الملائمة لإصدار ما يلزم من قوانين وأنظمة.
تاسعًا: وأخيرًا. . . فإن المأمول أن يسعى العالم الإسلامي لتكون لديه أسواقه المالية التي تتفق أدواتها مع الشرع لكي يتم تجميع الطاقات واستنهاض الهمم لمواجهة تحديات العولمة والدخول إلى عالم الأقوياء، وقد أعد المسلمون ما يستطيعون من قوة في كل مجال وميدان. فالأدوات التمويلية الإسلامية هي وسيلة التفاعل بين الشعوب والمؤسسات والحكومات للتعاون والبناء. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الدكتور سامي حسن حمود