للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النوع الثاني من هذه الأوراق هي التي تسمى: (الكمبيالات) ، وهي عبارة عن الوثيقة التي يكتبها المشتري للبائع في بيع مؤجل، ويعترف فيها بأنه وجب في ذمته ثمن المبيع، وأنه يلتزم بأدائه في تاريخ آجل. وإن البائع حامل الكمبيالة ربما يريد استعجال الحصول على مبلغها، فلا ينتظر إلى تاريخ نضج الكمبيالة، بل يبيعها إلى طرف ثالث بأقل من قيمتها الاسمية ويسمى (حسم الكمبيالة) .

والعادة في سوق الأوراق أن مقدار هذا الحسم نسبة من مبلغ الكمبيالة تحدد على أساس مدة نضجها، فكلما كانت مدة نضجها أكثر كانت نسبة الحسم أكثر، وكلما كانت المدة أقل كانت نسبة الخصم أقل.

وإن معظم العلماء المعاصرين خرجوا حكم الكمبيالة على أساس أنه بيع دين بنقد أقل منه، وحرموه من هذه الجهة.

وقد ذكر الفقهاء ورقتين يشبهان الكمبيالة اسمهما: الجامكية والصك.

وقد تعرض الدكتور القري في بحثه لبيع الصك وانتهى إلى أن الفقهاء لم يجيزوا بيع الصكوك، مع أنها كانت تمثل طعامًا، فكيف يجوز حسم الكمبيالة التي تمثل نقودًا.

وأما (الجامكية) فهي عبارة عن ورقة تصدر من بيت المال أو من ناظر الوقف لصالح رجل له حق مالي على بيت المال أو الوقف.

وقد صرح علماء الحنفية والحنابلة بعدم جواز بيع الجوامك. وهذا متفرع عن أصلهم أن بيع الدين من غير المدين لا يجوز إطلاقًا.

أما المالكية فقد ذكر الحطاب جواز بيع الجامكية، ولكن هذا الجواز مشروط بأن يكون بيعه بخلاف جنسه، كما حققنا من قبل عند المالكية.

أما الشافعية فقد ذكر محشي نهاية المحتاج جواز التنازل عن الجوامك بعوض، ولكن ليس مقصوده إجازة بيع الجامكية أو النزول عن راتب شهر معين، وإنما مقصوده أنه لو كان لرجل عطاء في بيت المال يحصل عليه كل شهر جاز له أن ينزل عنه في حق غيره للأبد ويأخذ عوضًا عن ذلك، ولكن المنزول له لا يستحق العطاء بمجرد نزول الأول، بل مفاد نزوله أنه تزول مزاحمته له في ذلك العطاء، ثم يصير الأمر موكولاً إلى من له ولاية التقرير، فإن رأى المصلحة جعل المنزول له في محل النازل، وإن شاء عين غيره. وعلى كل حال فقياس قول الشافعية في مسألة بيع الدين أن لا يجوز بيع الجامكية أو الكمبيالة إلا بقبض العوضين في المجلس وبشرط التساوي. فالحاصل أن حسم الكمبيالة بالطريقة المتبعة اليوم لا يجوز عند أحد، وقد اتفق عليه جميع الباحثين.

فقد أفتى بعض إخوتنا في ماليزيا بجواز بيع الدين، وتوصلوا بذلك إلى القول بجواز حسم الكمبيالة، وقد عقدت مؤسسة الأوراق في ماليزيا حوارًا لي معهم، فاجتمعت معهم في (كوالالمبور) حتى أعرف مستندهم في ذلك، فتبين لي أنهم اعتمدوا في ذلك على الأدلة الآتية:

١- إنهم فرقوا بين القرض وبين الدين الذي ينتج عن بيع بضاعة، فقالوا: إن القرض لا يجوز بيعه أو شراؤه، فإنه لا يستند إلى بضاعة. أما الدين الذي ينشأ عن طريق البيع المؤجل فإنه يستند إلى بضاعة تم بيعها، فوثيقة هذا الدين لا يمثل النقود البحتة، وإنما يمثل النقود التي حلت محل البضاعة المبيعة، فبيع هذه الوثيقة عندهم بيع للدين الذي قام مقام البضاعة، فكأنه بيع للبضاعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>