أما بقية التصرفات مثل الصلح عن دين بدين، وكذلك المقاصة، والعقود الأخرى التي تجري على الدين أيضًا في اعتقادي من الضروري أن ننظر فيها لأنها تكمل هذه الحلقات بعضها بعضًا.
والتصرف في المسلم فيه أيضًا ولو أن المسلم فيه يعتبر دينًا، لكنه في الواقع يعتبر المسلم فيه وإن كان دينًا لكن فيه خلافًا بين الفقهاء، فالمالكية أجازوا بيع المسلم فيه ولكن بضوابطه التي أشار إليها فضيلة الشيخ السلامي.
إذن هذه المواصفات والضوابط – أنا في اعتقادي – لا بد أن نستعرضها أو اللجنة التي تتكون تستعرضها صورة صورة، ثم بعد ذلك البدائل حتى نكون جميعًا على حقيقة من أمرنا. وإذا سمح لي الرئيس أن أذكر الخلاصة التي خلصتها وهي أحكام التصرف في الدين حيث قلت: ينقسم التصرف في الدين إلى تصرف من الدائن، وتصرف من المدين، ثم إن التصرف من الدائن قد يكون مع المدين نفسه أو مع غيره.
تصرف الدائن في دينه، للمدين نفسه أو لغيره:
التصرف في الدين إذا كان بتمليكه للمدين نفسه فإما أن يكون الدين مملوكًا للدائن بصورة مستقرة، كبدل القرض وثمن المبيع والمهر بعد الدخول وإما أن يكون ملكه له غير مستقر كالأجرة قبل استيفاء المنفعة والمهر قبل الدخول، وهذا التقسيم خاص بالشافعية.
تصرف المدين في الدين للمدين نفسه فيما ملكه مستقر عليه:
لا خلاف بين الفقهاء في جواز تمليك الدائن للمدين نفسه دينًا استقرت ملكيته، لأن ذلك التصرف يقع من المالك فيما استقر ملكه عليه وهو من قبيل الاستبدال (البيع) أو الهبة (الإسقاط) والدليل على ذلك من السنة قول ابن عمر، رضي الله عنه: كنت أبيع الإبل بالدنانير وآخذ مكانها الدراهم وأبيع الدراهم وآخذ مكانها الدنانير، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك فقال: ((لا بأس إذا تفرقتما وليس بينكما شيء)) .
ويستثنى من جواز تمليك الدين بعوض (عند جمهور الفقهاء ما عدا المالكية) بدل الصرف ورأس مال السلم، فلا يجوز التصرف فيهما قبل القبض، لأن ذلك يخل بشرط صحتهما وهو القبض قبل الافتراق، وإذا باع الذهب الذي في الذمة بفضة اشترط قبضها في المجلس.
وفي تمليك الدين للمدين يجوز عند بعض الفقهاء أن يكون العوض نفسه دينًا ويسمى ذلك (تطارح الدينين) وهو أن يبيع دينًا له بدين عليه للمدين ولكن شريطة حلول أجل الدينين وبراءة الذمتين، إذ يعتبر حلول الأجلين بمثابة التقابض، ولذا يسمي هؤلاء الفقهاء هذه المعاملة (الصرف في الذمة) . وأما حديث النهي عن بيع الكالئ بالكالئ – أي الدين بالدين – كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم – الدين الواجب بالدين الواجب أي السلف المؤجل من الطرفين. وما هنا دينان ساقطان وليسا واجبين، وليس في تحريم ذلك نص ولا تترتب في هذا مفسدة بيع الدين بالدين (حيث تبقى الذمة مشغولة مع وجود العقد، والمقصود من العقود القبض فلم يحصل) ، أما هنا – فقد حصلت بالبيع براءة كل منهما من دين صاحبه.
كما يجوز أيضًا عند بعض الفقهاء تمليك الدين بجعله رأس مال للسلم، لأنه قبض حكمي، فلم يتحقق فيه انتفاء قبض رأس مال السلم، لأنه بالتمليك للمدين صار مقبوضًا فارتفع المانع ويسمى هذا (بيع الساقط بالواجب) .
في حالة بيع الدائن دينه إلى المدين نفسه بشيء موصوف في الذمة يشترط قبض العوض قبل التفرق كي لا يكون بيع دين بدين، أما إذا كان العوض شيئًا معينًا فلا يشترط قبضه اكتفاء بتعينه.