الدعوة إذن إلى تقييد التدفقات المالية العالمية ومراقبتها، والسيطرة على أسعار صرف العملة المحلية، والتقييد النسبي لحرية تحويلها وحركتها؛ ليست دعوة منغلقة ولا غير عملية وتعبر عن مصلحة وليست مجرد عاطفة.
وخير مثال لما ذكرنا تجربة الصين والهند وتشيلي فهذه الأسواق رغم وجودها في مناطق الأزمة لم تتأثر عمليًّا والسبب الرئيسي أنه لا يمكن لسماسرة البنوك ومتداولي العملات تحريك مليارات الدولارات في يوم أو يومين إلى تلك الدول ثم إخراجها منها. فالصين والهند تفرضان قيودًا على دخول رؤوس الأموال الأجنبية. بينما تفرض تشيلي ضريبة على الاقتراض بالعملات الأجنبية وتشترط الإبقاء على الاستثمارات شبه السائلة لفترات محددة لا يمكن تصفية الاستثمار قبل انقضائها.
يقول أحد الخبراء في إندونيسيا:" وفي اللحظة التي تأكد فيها للناس أن الروبية ستهبط هربت المليارات!! لا يمكن أن يحدث ذلك في الهند، لأن أغنياء الهند لا يمكنهم أن يخرجوا ساعة يشاؤون (٢٠) مليار دولار"!.
ثالثًا: يجب أن يتم استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية بمعدلات يكون الاقتصاد المحلي قادرًا على استيعابها في استثمارات توسع من قاعدة الإنتاج، وأن يتم قبولها بمعايير تخدم هذا الغرض تمامًا، وأن لا يسمح لها بالتسرب نحو أنشطة المضاربة والعقارات وصناديق الاستثمار ذات الطابع المضاربي.
إن تجربة الأسواق الآسيوية أوضحت أن تدفقات الأموال الأجنبية ليست دائمًا في صالح الاقتصاد المحلي، وأنها تكون كذلك فقط إذا كانت من أنواع الاستثمارات المباشرة، أما التدفقات التي تستهدف الأرباح قصيرة الأجل في أسواق الأسهم والعقارات والمحافظ الاستثمارية، فإنها تتحول إلى عامل عدم استقرار عندما تلوح بوادر أية مشكلة عادية كانت أم عميقة.
رابعًا: لا بد أن تكون السياسة النقدية حازمة وحاسمة لمقاومة التدهور الزائد في قيمة العملة وذلك بالاستجابة الفورية للإشارات المبدئية والتعامل معها بجدية في الوقت المناسب قبل استفحالها، ومن تلك الإشارات المبكرة ارتفاع أسعار الأسهم والعقارات بشكل كبير، وارتفاع سعر صرف العملة بأكثر من قيمتها الحقيقية وإفراط البنوك في تقديم القروض للاستثمارات المالية. . إلخ.