بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صلِّ وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا. ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة، ربنا لا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا.
أفتتح كلمتي بالشكر والتقدير للعارضين زيادة على المعلومات الدقيقة في الميدان الاقتصادي التي كشفت لنا عن وجوه كنت أجهلها من قبل، والتي تساعدنا على فهم أدق للمشكلة من جميع نواحيها، بجانب ذلك قد حرك أوتار قلبي بالعربية الدقيقة المنمقة التي لا أجدني أطرب كما أطرب لرجل مفوه في اللغة العربية يتناول بها كل القضايا، فشكرًا لهما وتقديرًا وزادهما الله فصاحة وبيانًا وبلاغة.
الأمر الثاني الذي أريد أن أخلص إليه هو أنه من هذه العربية التي ارتوينا منها جميعًا، والتي لا يستطيع فقيه أن يبحث في الأحكام الشرعية دون أن يكون على حظ وافر منها، أقول:
إن القضية الأولى أن ابن مالك لما تحدث في باب الحال قال: إن الحال لا بد أن يكون مشتقًا ولا يجوز أن يكون جامدًا، وإذا جاء جامدًا فلا بد من تأويله. وضرب لذلك مثلاً في بيته لما قال:
كبعه مدًا بكذا يدًا بيد
وكر زيد أسدًا أي كأسد
وقد أخذ هذا المثال اقتباسًا من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:((يدًا بيد)) ، وقال: إنه لا يفهم على عربية لا يفهم على هذا المنطوق المادي ولكنه يفهم على التأويل أي مناجزة. فإذا أخذنا بكلمة (المناجزة) التي هي مفهوم الحديث حسب ما فهمه أئمة اللغة فإن (المناجزة) يصبح فهمها ينطبق على الوقائع باعتبار تحقيق المناط لهذه المناجزة. فالتعامل في الصرف أو في المبادلة – المبادلة إذا كانت ذهبًا بذهب والصرف إذا كان ذهبًا بفضة أو فضة بذهب والمراطلة إذا كان وزنًا كما هو معلوم لديكم جميعًا – لهذه المناجزة في عهده لا تقع إلا بين آخذ ومعطي كلاهما يواجه الآخر. اليوم أصبحت هذه القضية تقع بين رجل في المغرب الأقصى وآخر في أندونيسيا وتتم بينهما المناجزة ويتم بينهما الصرف. والصرف بين رجل في أندونيسيا ورجل في المغرب الأقصى ليست على وزن المناجزة التي تقع عند الصراف في متجره، وهذا لنا فيه سابقية، فنحن في مجمعنا هذا أخذنا قرارًا بالقبض وأعطيناه مفهومًا حسب تطور العالم وأصبح تبادل الوثائق مقبولاً كقبض للسلعة، ولذلك أفهم أن المناجزة عندما تتم بطريقة لا رجوع فيها لأحد الطرفين ولا يمكن لأحد الطرفين أن ينكر الآخر لكن ما تتم مناجزة الأمور به حسب الواقع هو مناجزة ولا يخرج عن المناجزة وإن تأخر حتى يومين كما قال بعض الخبراء.