للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأسباب الحقيقية وراء ذلك هي ما أشار إليه قبل ذلك (موريس آليه) وجود بنية مالية ونقدية كبيرة على قاعدة صغيرة من السوق الحقيقية من الإنتاج والتعامل الحقيقي. فهذا التناقض بين السوق المالية والنقدية، أو هذا الاتساع الكبير بالسوق المالية والنقدية مقابل وجود قاعدة صغيرة هو الذي أنتج بهزة بسيطة لا يوجد في السوق عمق يستطيع أن يمتص مثل الهزة فتقع الأزمة، وهذا ما حصل في تايلاند وكوريا وأندونيسيا وماليزيا ثم في اليابان. مثل هذه المشكلات قد حصلت أيضًا في بلدان أخرى، حصلت في بلدان رأسمالية مرات عديدة، ولكن سعة الإنتاج الحقيقي للاقتصاد استطاعت أن تستوعب الهزة، ولم تؤثر عليه وتجاوز الهزة.

وفي بلدان ضعيفة فيها القاعدة الحقيقية للإنتاج والتداول حصلت بها أيضًا هذه الهزات، فهل يمكن علاجها بالطرق التقليدية؟ أيضًا ينبغي أن نلاحظ أنه يمكن علاجها وقد عولجت في بلدان عديدة بالطرق التقليدية الربوية نفسها فكيف نقول إن الربا هو السبب؟ أنا أقول إن الربا من الأسباب المهمة وسائر المعاملات المحرمة ولكننا ينبغي أن ندرك الواقع أيضًا. لو أن هذه البلدان لم يكن فيها ربا لكانت قدرتها على تخطي الأزمات – أنا أتكلم عن البلدان الغربية ذات العمق الاقتصادي وعن البلدان غير الإسلامية غير ذات العمق الاقتصادي التي استعملت علاجات ربوية ونجحت في هذه العلاجات، كان ذلك ممكنًا لأنه أمكن ضخ كميات كبيرة من المساعدة الأجنبية بأشكال متعددة – قروض وغيرها ومعظمها ربوي – من أجل إنقاذ ذلك الاقتصاد.

العلاج إذن ممكن بالطريقة الربوية وكان يمكن أن تكون الأزمة أخف لو أنه لم يوجد ولم توجد المعاملات غير المشروعة، لأن حرمة الربا وحرمة المعاملات غير المشروعة تخفف من حرارة السوق.

يعني الأمر واضح مثلاً التمويل في المصارف الإسلامية حتى تمويل المرابحة الذي يعترض عليه أو يتحرج منه بعض الناس، هذا التمويل هو تمويل سلعي حقيقي ليس فيه قلب للديون مثلاً، وليس فيه زيادة للديون، وليس فيه تطوير وتوريق للديون، بينما التمويل الربوي يمكن أن يحصل فيه كل هذا، فتقوم أهرامات فوق أهرامات، أو طبقات فوق طبقات مما يسمى بالهرم المعكوس، هذا لا يحصل في التمويل المشروع.

فإذن الدعوة إلى ضرورة الالتزام بالقواعد الشرعية في المعاملات المالية من تحريم للربا وتحريم للمعاملات الأخرى (الصرف الآجل وغير ذلك وتبايع الديون) هذه دعوة ينبغي أن نقدمها حقيقة للعالم كله وبخاصة للبلدان الإسلامية، وأن نطالبها بأن تعيد تنظيم أسواقها الآلية على المنهج الشرعي، لأنه يخفف من حدة هذه الأزمات. هذا لا يكفي وحده نحتاج فوق ذلك إلى حكمة في إدارة السوق المالية والسوق النقدية في إدارة السياسة المالية والنقدية بصورة عامة، إلى حكمة كثيرة ينبغي أن نؤكد عليها أيضًا.

جانب آخر ذكره الدكتور المرزوقي. أنا أقول إنه في المعاملات الدولية النقدية لا بد من بضعة أيام (يومان أو ثلاثة) حتى يحصل القبض وحتى يحصل القيد (الدائن والمدين) لحساب كل متعامل. أما العملية تبدأ فور التعاقد فهي تبدأ فور التعاقد، فيؤخذ مثلاً من حساب أحدهما، ولكن لا يسجل له ما اشتراه إلا بعد مرور هذين اليومين بسبب المبادلات الدولية وما يستغرقه من زمن للاتصال، أما في المعاملات المحلية فيمكن هذا. لذلك يمكن القول أنه من الممكن إعادة تنظيم الأسواق النقدية والمالية المحلية بحيث يكون فيها قبض فوري لا يستغرق الأيام خلافًا للأسواق العالمية.

<<  <  ج: ص:  >  >>