للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أخذت الندوة الفقهية الرابعة بالكويت (١٤١٦هـ - ١٩٩٥م) برأي هؤلاء الأساتذة فجاء في قرارتها ما يلي:

- تطبيقات الإجارة والجعالة على عقود الصيانة:

عقد الصيانة عقد مستحدث مشروع تنطبق عليه الأحكام العامة للعقود، ولا يخالف نصا أو قاعدة شرعية عامة، وهو في تكييفه الفقهي أقرب ما يكون إلى عقد الجعالة حيث إن معظم صور الصيانة لا يمكن فيها تحديد مقدار العمل بشكل دقيق.

وبعد تحديد جنس العمل ونوعه ومحل العمل والمقابل والزمن وما فيه من جهالة أو غرر فهو من اليسير المغتفر الذي لا يؤدي إلى النزاع بالرجوع إلى المتعارف عليه في كل مجال، (هكذا) وهذا بالنسبة لعقد الصيانة بدون الالتزام بقطع الغيار.

أما إذا كان العقد شاملا لقطع الغيار فيختلف الحكم بين الحالتين الاثنتين:

الحالة الأولى: أن يلتزم مالك العين المطلوب صيانتها بتقديم قطع الغيار من عنده عينا، أو يلتزم بدفع ثمنها المحدد ممن يقدمها، وهذه الصورة جائزة شرعًا؛ لأنها إما جعالة. أو جعالة رافقها بيع (١) .

الحالة الثانية: أن تلتزم الجهة المتعهدة بالصيانة بتقديم قطع الغيار مع العمل، فهناك صورتان:

الصورة الأولى: أن تكون الصيانة دورية، وقطع الغيار معلومة بالرجوع إلى العرف من حيث تحديد عددها وصفاتها وعمرها الافتراضي ووقت تبديلها، فهذه الصورة جعالة جائزة أيضا (٢) . ويمكن التعاقد على العمل بعقد واحد حيث يغتفر الجهالة اليسيرة (هكذا) .

الصورة الثانية: أن تكون قطع الغيار غير قابلة للتحديد عند التعاقد بالرجوع للعرف أو مراعاة الطبيعة التقنية للمعدات، ويقع التفاوت الكبيرة في تكلفتها ففي هذه الصورة لا يجوز التعاقد على التزام الجهة المتعهدة بالصيانة للقيام بالعمل وتقديم قطع الغيار، وذلك للجهالة الكبيرة المؤدية للنزاع (٣) .

تكييف عقد الصيانة على أنه عقد جعالة غير مقبول عندي؛ لأن عقد الصيانة عقد لازم بالنسبة للطرفين، وعقد الجعالة غير لازم بالنسبة للمجعول له فله أن يتخلى عن العمل في أي وقت يشاء، وغير لازم أيضا بالنسبة للجاعل قبل شروع المجعول في العمل (٤) . وهذا وحده يكفي لبطلان التكييف بالجعالة، وزيادة على فإن عقد الجعالة يجوز أن يكون العمل فيه مجهولا، وعقد الصيانة يشترط فيه معرفة العمل، وعقد الجعالة لا يستحق فيه العوض إلا بتمام العمل، وعقد الصيانة يجوز أن يدفع فيه العوض عند العقد أو في أثناء العمل، أو بعده حسب اتفاق الطرفين (٥) . ولو طبقنا أحكام عقد الجعالة على عقد الصيانة كما يقول الدكتور الحجي (٦) . لأصبح عقد جعالة لا عقد صيانة.

والمثال الذي ذكره الدكتور يوسف هو عقد جعالة محله صيانة المصنع تطبق عليه أحكام الجعالة، وليس عقد الصيانة، والمثال الذي ذكره الدكتور عز الدين هو أيضا عقد جعالة، وقد اعترف الدكتور عز الدين بهذا في قوله آخر المثال: "كان هذا العقد عقد جعالة مسمى باسم الصيانة".

أما قرار الندوة فقد بدأ بداية جيدة حيث اعتبر عقد الصيانة عقدا مستحدثا مشروعا تطبق عليه الأحكام العامة للعقود، ولكنه عاد فجعله عقد جعالة فقط إذا كان بدون الالتزام بقطع الغيار، وعقد جعالة رافقه بيع إذا كان مع الالتزام بقطع الغيار، وإذا كان التكييف بالجعالة غير مقبول عندي فالتكييف بالجعالة والبيع (٧) . أولى بعدم القبول.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه....

الدكتور / الصديق محمد الأمين الضرير.


(١) مرافقة البيع للجعالة غير ظاهرة في هذه الحالة
(٢) هذه هي الصورة التي يجتمع فيها البيع مع الجعالة
(٣) مجلة الاقتصاد الإسلامي العدد (١٧٧) السنة الخامسة عشرة، شعبان ١٤١٦ هـ، ديسمبر ١٩٩٥م. ص٥٧٩
(٤) انظر بحث الدكتور يوسف، ص١٩٦، والدكتور عز الدين، ص١٤
(٥) انظر بحث الدكتور عز الدين؛ ص١٤
(٦) انظر بحث الدكتور الحجي، ص٩
(٧) راجع ما كتبته عن صفقتين في صفقة، ص١١٣- ١١٤

<<  <  ج: ص:  >  >>