للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على أن كون المراد من قوله عن بيع وشرط، هو أخذ الشرط في عقد البيع مع كون النهي مطلقا غير مقيد بشيء يلزم منه تخصيص الأكثر المستهجن عرفا في التخاطب، فإن الشروط الجائزة المتفق على صحتها في جميع المذاهب كثيرة جدًّا. فالصحيح أن المراد من النهي عن بيع وشرط على تقدير صحته، هو النهي عن شرط خاص كان متداولا في ذلك الزمان مثل اشتراط زيادة الثمن على تقدير التأخير في أداء الثمن لا مطلق الشرط (١) .

وأما ما يقال من أنه إن كان بعض البدل بإزاء العمل المشروط فهو إجارة مشروطة في العقد، وإن لم يكن بمقابلة شيء من البدل فهو إعارة مشروطة في البيع وهو مفسد للعقد (٢) . لأنه من الجمع بين الصفقتين في صفقة واحدة فغير تام. وذلك:

أولا: أن أخذ الشرط في المعاملة لا يوجب تعددها وخروجها عن كونها صفقة واحدة مع عدم تعدد الإيجاب والقبول ووحدة الثمن والمثمن.

وثانيا: فلما حققه فقهاؤنا من أن الثمن لا يقسط على الأوصاف والشروط، ولكن مع ذلك الوصف أو الشرط دخيل في ازدياد ثمن أصل المال بنحو الحيثية التعليلية.

بيان ذلك: إذا باع أحد منين من أرز بدينارين فإن هنا يقسط الثمن أي الدينارين على المثمن وهو الأرز، فيقال: إن كل منّ من الأزر هو بدينار فازدياد الثمن بازدياد الأرز قلة وكثرة. فدخل ازدياد مقدار الأزر في ازدياد الثمن دخل تقييدي،

ويقال: إن هذا الدخل بنحو الحيثية التقييدية.

أما إذا باع المنين من الأرز من النوع الجيد بثلاثة دنانير وباع المنين من الأزر ذي النوع المتوسط بدينارين فإن اتصاف الأزر بكون نوعه جيدا له دخل في ازدياد الثمن ولكن دخله ليس بنحو يقسط عليه الثمن عرفا بل يقال: إن الأزر الجيد بدينار ونصف، فالوصف يكون علة في ازدياد ثمن أصل المال لا أن يقابل نفسه بمال، وهذا ما يصلح عند علمائنا بأن دخل الأوصاف والشروط في ازدياد الثمن بنحو الحيثية التعليلية لا التقييدية.

فعلى هذا لا يصدق كون بعض البدل بمقابلة العمل المشروط حتى يكون إجارة مشروط في العقد، ولا يكون العمل المشترط مجانا ومما ليس له دخل البدل أصلا حتى يكون إعارة. بل له جهل في ازدياد أو نقصان قيمة أصل المال وإن كان ليس بإزائه مال، فعلى هذا لا يكون أخذ الشرط في المعاملة موجبًا لتعدد الصفقة أصلا. أما معنى الصفقتين في صفقة واحدة فليس هو اشتمال المعاملة على شرط يوجب انتفاع أحد المتعاملين بل معناه كما مر الإشارة إليه هو إما أن يبيع شيئا بثمنين أحدهما نقدا والآخر نسيئة بأيها شاء المشتري أخذ من دون أن يوجب أحدهما، أو أن المراد منه هو أن يبيع أحد المتعاملين شيئا للآخر على أن يبيع الآخر شيئا منه، وعلى أي حال لا ربط لهذا الحديث بأخذ الشرط في العقد أصلا.


(١) كما هو المراد من حديث نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع وشرطين وتدل على هذا المعنى بعض الروايات الواردة من طريق الأئمة من أهل البيت عليه السلام. كرواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السلام: "أن عليًّا عليه السلام قضى في رجل باع بيعا واشترط شرطين بالنقد كذا وبالنسيئة كذا، فأخذ المتاع على ذلك الشرط فقال: هو بأقل الثمنين وأبعد الأجلين.. ."تهذيب الأحكام:٧/٦٤
(٢) يراجع المبسوط:١٣/١٥- ١٨

<<  <  ج: ص:  >  >>