للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإشكال الثالث:

كون المعاملة مع هذا الشرط من الصفقتين في صفقة واحدة، وهو منهي عنه في الشرع، وموجب لبطلان المعاملة.

بيان الإشكال: ذهبت الحنفية والشافعية إلى أن كل شرط في المعاملة لا يقتضيه العقد، ولا يلائمه، وليس مما ورد في الشرع جوازه، ولا مما جرى به التعامل بين الناس (١) . وفيه منفعة لأحد المتعاقدين موجب لبطلان المعاملة، فإن اشترى ثوبا مثلا وشرط أن يخيطه البائع قميصا يكون هذا الشرط فاسدًا ومفسدًا للمعاملة. وذلك لأنه إن كان بعض البدل بمقابلة العمل المشروط فهو إجارة مشروطة في العقد، وإن لم يكن بمقابلة شيء من البدل فهو إعارة مشروطة في البيع، وهو مفسد للعقد (٢) . لأنه من الجمع بين صفقتين في صفقة واحدة المنهي عنه شرعًا. حيث روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ((أنه نهى عن بيع وشرط)) (٣) .وكذلك روي أنه صلى الله عليه وسلم ((نهى عن صفقتين في صفقة)) (٤) . وفى رواية أخرى عن ((عن بيعتين في بيعة واحدة)) (٥) .

ولكن يمكن الإجابة عن هذا الإشكال بأن الرواية الأولى – أي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع وشرط – وكذلك الرواية الثانية – أي نهيه صلى الله عليه وسلم عن صفقتين في صفقة منها غير ثابتة عندنا من حيث السند وغير معمول بها عند علمائنا (٦) . فإنه لو تم هذا المعنى وكان المراد هو النهي عن أخذ الشرط في البيع لشاع هذا الحكم بين المسلمين واشتهر عندهم وصار من الضروريات كالنهي عن الربا لكثرة ابتلائهم به، إذ من المعلوم أن السيرة العقلانية قد استقرت مدى الأعصار على التعامل مع الشروط التي تجر نفعا لأحد المتعاملين والنهي عن أمر شائع كذلك يحتاج إلى تأكيد أكثر وتكرار في مختلف الأزمنة، وكذلك هو موجب لكثرة السؤال عن هذا الموضوع خصوصا مع ملاحظة أن مركز ظهور الإسلام أي مكة المكرمة كان مركزًا للتجارة، ومع فقد هذه الشهرة يطمئن بعدم صدور هذا النهي عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عدم دلالته على هذا المعنى.


(١) المراد من هذه القيود والاستثناءات على ما بين في المصادر الفقهية هو كما يلي: معنى كون الشرط مما يقتضيه العقد هو كل شيء يقتضيه العقد بلا شرط كاشتراط تسليم المبيع على البائع وتسليم الثمن على المشتري، فإن العقد يقتضي ذلك بصيغته فإن اشترط ذلك كان صحيحا. ومعنى كون الشرط ملائما للعقد كونه مؤكدا لما يوجبه للعقد كما لو باع شيئا بشرط أن يرهن المشتري عنده رهنا، فإن ذلك الشرط يؤكد معنى البيع. وأما ما ورد في الشرع جوازه كشرط الخيار، وأما ما جرى به التعامل عند الناس كما إذا اشترى جزمة بشرط أن يخيط البائع أزارها فإن الشرط في ذلك متعارف فيصح. (يراجع الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري: ٢/٢٢٦؛ وشرح فتح القدير: ٦/٧٧)
(٢) يراجع، المبسوط: ١٢/١٩٩،و١٣/١٨
(٣) مجمع الزوائد: ٤/٨٥
(٤) مسند أحمد حديث (٣٥٩٥)
(٥) سنن الترمذي حديث (١١٥٢) ؛ ومسند أحمد (٦٣٣٩)
(٦) أما الرواية الثالثة وإن كانت تامة من حيث السند، كما صرح بذلك العلامة المجلسي في ملاذ الأخبار: ١١/٤٤٤، ولكنه غير مربوطة بالمقام إذ لا يتصور في ما نحن فيه تحقق بيعين في بيعة واحدة على أي تقدير على أن الحديث لا ربط له بأخذ الشرط في العقد أصلا.. كما يأتي توضيحه

<<  <  ج: ص:  >  >>